لم تتوقف السعودية يوماً عن الاستفادة من أي مصدر للعلم والمعرفة، أو الخبرات الإدارية والفنية والرياضية، ومنذ عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وحتى الآن بقي استقطاب الرجال ذوي العقول والهمم العالية أهم المصادر التي اعتمدت عليها البلاد، فالعقول كانت ولا تزال هي من تصنع التحديث والتقدّم.
لعلنا نعود هنا لأولى حكايات شغف السعوديين بالتطوّر والتقدّم..
ففي يوم 3 مارس 1938م، اكتُشفت بئر البترول الأغنى في السعودية، التي سميّت فيما بعد بـ «البئر رقم 7» أو «بير الخير» كما تنطق في اللهجة المحلية، الاكتشاف الأهم جاء بعد فشل استمر سنوات عدة لم تستطع الشركة الأمريكية المفوضة بالامتياز تحقيق تقدم يذكر، بل لعل المصادفة أنه وفي الوقت الذي كان يجتمع مجلس إدارة الشركة في الولايات المتحدة الأمريكية لاتخاذ قرارهم بالانسحاب من السعودية وإعلان الفشل، تأتي على عجل برقية تقول: لقد اكتشفنا كميات هائلة من النفط في البئر رقم 7، ليتغير الحال وينفتح المستقبل على مصراعيه.
الاكتشاف لم يأتِ هكذا مصادفة، بل لأن السعوديين لم يجدوا أي حرج في الاستعانة بالموهوبين من أي مكان في العالم، كانت بعض أجهزة الدولة المهمة تعجّ بالخبراء والمستشارين العرب والأجانب.
في وقت كانت السعودية لا تزال دولة ناشئة، لكنها فهمت حاجتها، وعرفت أن الانكفاء على نفسها ورفض الآخر وادعاء المعرفة والكمال هو الطريق السريع للتراجع الحضاري، وكم من دولة كانت في عز مجدها مكتفية بما حققته وعاشت على ماضيها، فإذا بها تصبح في غضون عقود بسيطة في أسفل الدول وأكثرها ترديّاً.
الشركة الأمريكية التي باشرت العمل في البئر 7 واستطاع فريقها المكون من 13 خبيراً اكتشاف أهم مصادر الطاقة في تاريخ البشرية، كان من بينهم أفضل الجيولوجيين في العالم المهندس «ماكس ستينكي»، الذي يعزى إليه فهم التكوين الطبقي للمنطقة الشرقية السعودية، ما ساهم في تحويل العالم من عصر الفحم إلى ما نراه اليوم من تقدّم وتطوّر غير مسبوق.
اليوم وبعد أقل من شهر على انتهاء بطولة كأس العالم لكرة القدم، تلك القوة الناعمة الأكثر جذباً والأكثر تسويقاً ودخلاً، يصل للمملكة اللاعب الدولي رونالدو صاحب الرقم 7، أحد أهم لاعبي كرة القدم في التاريخ، يا لها من مصادفة مهمة جدّاً، تؤكد أن السعوديين الذين اكتشفوا النفط ذات يوم، لم يتوقفوا عن إيجاد أي مصادر تسوّق لبلادهم وتحقق لها التقدّم والتطوّر والسمعة.
وبالرغم من استقدام أساتذة الجامعات المميزين والعلماء النادرين وأهم الأطباء والطبيبات والمهندسين والخبراء في كل تخصص تحتاجه البلاد طوال عقود، إلا أن السعودية لم تتوقف أبداً عن تعزيز قوتها الناعمة في الفنون والثقافة والرياضة، من مركز إثراء في الخبر، إلى العلا شمالاً، مروراً بالدرعية والقدية وجزر البحر الأحمر ونيوم وذا لاين، وليس انتهاء بالسودة جنوباً.
ولأن كرة القدم هي سالبة عقول البشر والأكثر مشاهدة وشعبية، فقد كانت أسبق القوى الناعمة السعودية ظهوراً، هل نتذكر العام 1985 وفي البيت الأبيض عندما قام الرئيس الأمريكي رونالد ريغان بتهنئة الملك فهد بتحقيق فريق كرة القدم السعودي لنتائج قارية وأولمبية.
تلك النجاحات التي تردد صداها في البيت الأبيض والعالم جاءت نتيجة لمشوار طويل بدأ مبكراً ولا يزال إلى ليلة الأمس بالاستفادة من كل المهارات والخبرات الرياضية العالمية، ففي العام 1978م، وصل منتخب البرازيل للسعودية أثناء استعداده لكأس العالم 78، كما استقطب النادي الأهلي المدرب المهم «تيلي سانتانا» الذي يعد أفضل من درب منتخب برازيلي بعد كأس العالم 1982م، لم تنتهِ القصة هنا فالمدرب الألماني «كرامر» أستاذ التدريب في عصره درب نادي الاتحاد أيضاً أواخر السبعينيات الميلادية، كذلك درب «هنري ميشيل» مدرب منتخب فرنسا في الثمانينات نادي النصر.
ولا يمكن أن يُنسى للرياضة السعودية استقطابها بداية الثمانينات الميلادية لثاني أهم لاعب بعد بيليه في المنتخب البرازيلي، اللاعب الفذ «ريفالينو» الذي لعب لنادي الهلال، وأمتع الجماهير بمهاراته الساحرة.
اللاعب السويدي «شوبيرج» وفي أوائل الثمانينات أيضاً، كان أول لاعب أوروبي يلعب في منطقة الشرق الأوسط ولصالح نادي الاتحاد، كما ضم نادي النصر اللاعب خريستو ستويتشكوف لتمثيل النصر في أول بطولات كأس العالم للأندية عام 2000 وهو هداف كأس العالم عام 94م والحاصل على الحذاء الذهبي لأفضل لاعب بالعالم مرة واحدة والكرة الذهبية مرة واحدة أيضاً. ويعد من أساطير نادي برشلونة الإسباني.
كذلك انضم لاعب منتخب البرازيل الشهير «بيبيتو» لنادي الاتحاد العام 2002، وهو صاحب المسيرة الكروية الرائعة في الدوري البرازيلي، بجانب خوضه 75 مباراة دولية مع منتخب بلاده أحرز خلالها 39 هدفاً، وشارك مع منتخب البرازيل في الفوز بكأس العالم 1994 وكوبا أمريكا 1989 وكأس القارات 1997.
من عام 1938م تاريخ اكتشاف البئر رقم 7، إلى عامنا الحالي 2023 مـ، لحظة وصول اللاعب الدولي «كريستيانو رونالدو» ما يقارب 85 عاماً، لم تكن الرياض تكتشف النفط فقط، بل كانت تكتشف نفسها وتوقظ العملاق النائم في صحارى الجزيرة العربية، لقد تشكلت خلالها السعودية الحديثة، وتغيرت ملامحها من أراضٍ قاحلة مقفرة، وأمية سائدة، وبيوت طينية متواضعة، إلى دولة عصرية متعلمة وحديثة يتردد اسمها ليل نهار في كل الدنيا، بسبب انفتاحها واستقطابها للخبرات والكفاءات من كل دول العالم.
التعليقات