جاءت كلمة السعودية في مؤتمر دافوس 2023 أكثر تفاؤلا من شعار المؤتمر «التعاون في عالم منقسم»، حيث حول وزير المالية السعودي محمد الجدعان هذا الشعار إلى «التعاون يوحدنا»، وذلك عندما قال يمكننا ردم الفجوة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. وهذا يعبر عن قدرة المملكة على ذلك من خلال سياساتها الاقتصادية وعلاقاتها الاستراتيجية الدولية المعتدلة والمحايدة، حيث إنها توحد ولا تفرق سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، فهي دائما تسعى إلى ترسيخ الأمن والسلم الدوليين من أجل البشرية. ولهذا تستطيع المملكة بعلاقاتها وخبراتها تحفيز التعاون الدولي من أجل العيش في عالم يسوده الأمن والاستقرار في مواجهة وطأة الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم ومواصلة البنوك لرفع أسعار الفائدة والذي قد أضر بالدول الأقل حظا أكثر من غيرها.

لقد شهد الوفد السعودي زخما إعلاميا في دافوس 2023 والذي لم يأت من فراع، بل في تناغم مع الزخم الاقتصادي الذي تقوده رؤية 2030 ويتردد صداه في الأروقة العالمية وهو ما يليق بسمعة المملكة. إن إنجازات المملكة شاهدة على قدراتها الاقتصادية من خلال تصديها للصدمات والتحديات ومكافحة الفساد بكل مرونة في السنوات الثلاث الماضية، حيث حوّلت الأزمات إلى فرص استثمارية وتنمية مستدامة. وهذا ما حدث خلال مواجهتها لانتشار كوفيد-19 في عام 2020، بتحصين مواطنيها ومن يقيم على أراضيها والحد من عدد الإصابات إلى أقل مستوى عالميا خلال فترة وجيزة، وحولت إدارة الأعمال الحكومية والخاصة إلى العمل من بعد من خلال بنية تحتية تقنية ورقمية بكل تفوق. لهذا احتلت المملكة مركزا عالميا متقدما في مكافحة الجائحة والمحافظة على سلامة المواطنين والمقيمين.

وعندما انهارت أسعار النفط في 20 أبريل 2020 ووصل سعر غرب تكساس إلى ما دون الصفر، وبدأت مناشدات الرئيس الأمريكي السابق «ترمب» للسعودية بخفض إنتاجها وإعادة الاستقرار إلى أسواق النفط، فكانت المملكة حريصة كل الحرص على توازن أسواق النفط وأمن الطاقة العالمية، فبادرت وطلبت من دول الأوبك+ التعاون والاتفاق على خفض الإنتاج بـ9.7 ملايين برميل يوميا من أجل استمرار إمدادات النفط وحماية الاقتصاد العالمي من الانهيار. واستمرت أوبك+ في تخفيف تخفيض الإنتاج تدريجيا خلال عام 2021 مع تلاشي انتشار كوفيد والانفتاح الاقتصادي وانتعاش نمو الطلب العالمي على النفط. ولكن ما كاد الاقتصاد العالمي أن يخرج من الجائحة إلا ويدخل في أزمة جيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا في 25 فبراير 2022، انعكس أثرها سلبا على أسواق النفط وقفزت بأسعار النفط إلى مستويات 130 دولارا للبرميل، لتتصدى لها أوبك+ مرة ثانية بزيادة إنتاجها وتراجع الأسعار إلى ما دون متوسط 100 دولار لبرنت. كما رفضت المملكة التدخل السياسي في اقتصاد النفط من أجل المحافظة على استقرار الأسواق وتحقيق نتائج إيجابية على إمدادات الطاقة والاقتصاد العالمي.

إن المملكة دولة الأمن والسلام وتتمتع بقوة اقتصادية ذات تأثير كبير على أمن الطاقة والاقتصاد العالمي، وتمتلك علاقات تجارية واستراتيجية ودبلوماسية مع دول العالم، واقتصادها هو أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط والذي تسلقت قمة تريليون دولار في 2022، مما زادها بروزا بين دول مجموعة العشرين. إن رسالتها للعالم عامة ولأمريكا والصين خاصة، بأن التعاون الدولي يوحدنا ويحقق الأمن والسلام بعيدا عن خلق الأزمات الاقتصادية والسياسية وما تخلفه من تداعياتها على الاقتصاد العالمي.