لوّحت بريطانيا بيدها خارجاً من الاتحاد الأوروبي في ليلة ماطرة عصفت بجميع دول الاتحاد الأوروبي قبل ثلاث سنوات. «الخيانة» التي شعرت بها دول الاتحاد الأوروبي؛ وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، كانت هي العنوان العريض لذلك الخروج المر، وكانت بمثابة طعنة في خاصرة تلك الدول، وكأن لسان حالهم يقول للإنجليز؛ «إن ذبحتم فأحسنوا الذبح على أقل تقدير».

إثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان بمثابة جدل بين كبار الاقتصاديين والسياسيين، فالبعض يرى أن بريطانيا هي الكاسب الأكبر من ذلك الخروج، والبعض يرى عكس ذلك من مبدأ أن بريطانيا ستضحي بأقرب شريك تجاري لها وهو الاتحاد الأوروبي بحجم تجارة بينية بينهم تتجاوز 500 مليار جنيه إسترليني. في ذات التوقيت خرج فريق برؤية ترى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد البريطاني على المدى القريب والمتوسط، أما على المدى البعيد فالإنجليز هم الرابح الأكبر ولعلي أتفق مع ذلك التوجه.

عوامل وأزمات عديدة حدثت خلال الأعوام الثلاثة الماضية؛ يأتي في مقدمتها جائحة كورونا والفايروس المتحور والحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الطاقة التي صعبت من القدرة على تقييم وفهم أثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

إذا نظرنا إلى جانب الاستثمار فقط لنرى كيف يسير الاقتصاد البريطاني بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، فنجد أنه على الرغم من اجتذاب المملكة المتحدة باستمرار لاستثمارات أجنبية أكثر من غيرها من الاقتصادات المماثلة منذ سبعينيات القرن الماضي، مما أدى إلى زيادة نمو الأجور، والمزيد من الابتكار والتقدم التكنولوجي، ومشاركة أكبر للمعرفة والمهارات، إلا أنه بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر فيها، ولم تعد المملكة المتحدة رائدة بين أقرانها. فعلى سبيل المثال بين عامي 2019-2021، انخفض متوسط تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة المتحدة كحصة من الناتج المحلي الإجمالي إلى أدنى مستوى له منذ الثمانينيات.

على الرغم من توجه بريطانيا للعديد من الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وأستراليا ونيوزلندا لسد فجوة الاستثمار، إلا أنه من الواضح أن هذه الفجوة لم تردم بعد ربما بسبب حالة عدم اليقين التي ما زالت محيطة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك قضية بروتوكول أيرلندا الشمالية غير المستقرة، والتي ولدت خوفاً لدى بعض المستثمرين الدوليين.