تمر تركيا وسوريا حالياً بكارثة من كوارث الطبيعة المدمرة جراء الزلزال القوي الذي ضرب أجزاء من البلدين وأسفر عن سقوط آلاف القتلى وعشرات آلاف الجرحى حتى كتابة هذا المقال، والأعداد مؤهلة للازدياد مع استمرار الهزات الارتدادية من وقت لآخر. وقد توقعت منظمة الصحة العالمية أن يصل عدد ضحايا الزلزال إلى 8 أضعاف الأرقام الحالية، وقدّرت أعداد الأشخاص المعرضين للتأثر بتبعاته بما يصل إلى 23 مليون شخص. ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذا الزلزال بأنه أكبر الكوارث التي شهدتها تركيا بعد زلزال أرزنجان عام 1939.
أسبوع حداد عامٍّ في تركيا على ضحايا الزلزال الذي دمَّر 5775 مبنى في 10 مدن تركية، منها غازي عنتاب وقهرمان ماراش وهاتاي وعثمانية وأديامان ومالاتيا وشانليورفا وأضنة وديار بكر، وكيليس، فضلاً عن تسببه في اندلاع حريق بميناء الإسكندرونة مما دفع السفنَ إلى تغيير مسارها، ولا تزال ألسنة اللهب ترتفع من داخل الميناء مما يشكّل عبئاً إضافياً على كاهل وكالات الإغاثة التي تحاول إيصالَ المساعدات والإمدادات للمناطق المنكوبة.
كل هذه الأحداث يتقاسمها العالَم الآن بألم هزَّ قلوبَ البشر كما هزّ الزلزال بيوتَ المناطق المتضررة منه فجر الاثنين الماضي، فالمَشاهد التي يتم تداولها حرجة وقاسية ومقلقة، والحال في الشمال السوري هو الأشد إيلاماً، حيث تأثرت جميع خطوط الإمدادات الإنسانية وآليات إدخال المساعدات مما وسّع حجم الكارثة.
وقد عرفت تركيا زلازلَ مشابهة في حقب زمنية مختلفة، ففي عام 1939 دمر زلزالُ أرزنجان أكثر من 116 ألف مبنى وأودى بحياة 33 ألف شخص، إما بسبب الأنقاض أو بسبب البرد والعواصف الثلجية بالنسبة لمن فقدوا منازلهم، إضافة لأكثر من 100 ألف جريح.
أما زلزال الاثنين الماضي، فهو تكرار لزلزال مروع حدث في عام 1822 قُدرت قوته بنحو 7.4 درجة، وقد تسبب بدمار هائل وخسائر كبيرة في الأرواح بلغت عشرات الآلاف، علاوة على مئات آلاف الجرحى. ورغم الفارق الزمني فهو شبيه بزلزال الاثنين الماضي الذي ضرب كلاً من سوريا وتركيا، لاسيما في قوته التدميرية، وذلك لمجموعة من العوامل مثل توقيته في فصل الشتاء والعواصف الثلجية، ووقوعه في منطقة بها مدن وقرى مكتظة بالسكان، وعلى خط صدع هادئ نسبياً منذ قرنين، بالإضافة إلى مبانٍ شيدت بشكل رديء.
السعودية والإمارات، كعادتهما دائماً في مثل هذه الحالات، كانتا في صدارة المبادرين تجاه أي كارثة تحل بأي شعب على هذا الكوكب، فالشعوب المنكوبة على رأس أولويات الدول التي تراعي الإنسانية وتسعى لعمارة الأرض وازدهار شعوبها. وقد امتدت بالفعل أيادي الخير الإماراتية بتوجيه من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة بتقديم 100 مليون دولار لإغاثة المتضررين من الزلزال في كل من سوريا وتركيا، كما وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد محمد بن سلمان بتسيير جسر جوي من السعودية إلى تركيا وسوريا وتقديم مساعدات متنوعة وتنظيم حملة شعبية عبر منصة «ساهم» لمساعدة ضحايا الزلزال. وهذه المبادرات السخية والسريعة غير مستغربة من قيادتين جسدتا أسمى القيم الإنسانية على الساحة الدولية كنهج تاريخي طبع تاريخ الدولتين.. حفظ الله السعودية والإمارات عوناً لكل محتاج وجنّبَهما كلَّ شر.