تمر أمامنا في هذا العالم الشاسع العديد من المناسبات والأحداث، بعضها يمرّ مرور الكرام، وبعضها يترك آثاره بقوة في دفاتر التاريخ، وبعضها الآخر يُغيِّر مجرى التاريخ ويبقى في ذاكرة الزمن عنواناً للتحدّي والإيمان بالإنسان كقوة محرِّكة للأحداث وتأسيس الدول وإلغاء الدول من الخارطة.

ومن أبرز الأحداث التي غيَّرت مجرى التاريخ هو تأسيس المملكة العربية السعودية على يد المؤسِّس الإمام محمَّد بن سعود عام 1727م، فكانت انطلاقة المملكة التي حملت رسالة التوحيد عبر القرون لتحمي الإسلام والأمة الإسلامية من الأطماع المتربصة بها كل جانب منذ ذلك الآن وإلى الآن، وتواجه التحديات العصيبة بالإيمان بالوطن الواحد وبالرسالة المحمَّدية ورفع راية الإسلام والسلام التي ظلَّت خفَّاقة فوق السحاب.

حاولوا.. وتآمروا.. وبذلوا جهوداً جبّارة من أجل تغيير ميزان القوة السياسية والاقتصادية والروحية في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن مصير كل محاولاتهم كان الفشل الذريع، رغم استعانتهم بخبراء وحلفاء مختلفين ودول مارقة ودول ليست لديها الخبرة ولا الحنكة السياسية أو الجذور التاريخية من أجل تحقيق وتنفيذ مخططاتهم وأطماعهم، إلا أنها جميعاً لم تتمكَّن من زعزعة إيمان القيادة السعودية بالسعودية كوطن يحمل رسالة وشعباً يحمي الرسالة بوقوفه صامداً ومؤكِّداً بأنه شعب صلب ومتميّز وعظيم في المعادلة الدولية.

وهذا ما أكَّدته القيادة الرشيدة الشابة التي خطَّطت للتغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي لتصبح المملكة -خلال سنوات معدودة- بلد الانفتاح والمعرفة والتعليم والتكنولوجيا والفن والبناء والثقافة والسياحة والتغذية الروحية التي تدلّ عليها السياحة الدينية التي ارتفعت إلى أرقام قياسية عالمية قاربت (29 مليون) سائح سنوياً.

فالسعودية بلد طوى صفحات الماضي ليفتح صفحات جديدة في تاريخ الأمم والشعوب، وخطَّ مساره الجديد بعزم وإيمان وثقة نحو مستقبل أكثر إشراقاً بعد أن نفض عنه غبار الزمن والعقود القديمة، التي عشت جزءًا منها في طفولتي في منطقة (سباله) في حارة الرّيس بالرياض، والبطحاء حيث كان دكان الوالد رحمه الله الذي عمل في تجارة بيع الغتر والثياب التي تتمّ خياطتها في مشغل خاص في البيت.

فما كان انتقال المملكة إلى قمّة التطور والنهضة إلا من رؤية فذّة رائدة عرفت كيف تعزِّز مكانة السعودية بين الأمم اعتماداً على الإنسان السعودي، وجعلت للعمق الخليجي والعربي والإسلامي بُعداً رئيساً ومرتَكَزَاً مهماً نحو كل التحرّكات والسياسات التي قامت بها، فأصبحت ذات أهداف واضحة ومحدَّدة؛ مما ساعد على البناء والتركيز والتعديل أثناء المسيرة، وكان لذلك التوجّه دور في سرعة الانطلاق نحو الاهتمام بالإنسان والمجتمع السعودي ذو القيم العربية والإسلامية الرفيعة التي كانت بحاجه إلى الدعم وفتح الطريق الصحيح المليء بمجموعة من الفرص المهمة المحتاجة إلى أيادٍ للتطوير بقيادة ملك عرف كيف يعانق السماء بشعبه، وولي عهد عرف كيف يحقِّق وينفّذ طموحات شعبه بفاعلية، فتجاوب الشعب بمسؤولية مع هذه النهضة، وهذا هو السر!

ومن أجل اكتمال الرؤية السعودية الشاملة كان أمامها أمر غاية في الأهمية، حيث كان لا يمكن أن يتمّ وينجح ويستقر أمرها إلا بالاستناد إلى القطاع الخاص لأخذ دوره كمرتكز مهم لنجاح مسيرة التغيير، فكان التوجّه الأول هو القضاء على الفساد وكبح جماح سيطرة بعض الأفراد على مفاصل الدولة، ثم الالتفات إلى القطاع الخاص وإعادة تشكيل أهدافه ودوره في مشروع التنمية الاقتصادية والمجتمعية من خلال تطوير الشركات السعودية لتصبح شركات عالمية وتطوير قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة وغيرها، وفي موازاة ذلك كان تقليل الاعتماد على الحكومة، وتحويل دور الحكومة من (مُقدِّم للخدمة) إلى (منظِّم ومراقب لها)، وبذلك استطاعت الرؤية السعودية تحقيق أهدافها الأساسية في وقت قصير جداً أثار الاعجاب.

وكما هو معروف بأن رؤية المملكة بدأت في (أبريل 2016م) وتمثَّلت في خططٍ وأهداف بعيدة المدى تحمل في طياتها دعماً وطموحاً غير محدود من القيادة السعودية الشابة من أجل وطن جديد وظهور جديد وطموحات عالية لاقت ترحيباً كبيراً من المواطن السعودي الذي وضع كل آماله عليها لمواكبة التطورات السريعة في العالم بمشاركة المرأة في كافة المجالات إلى جانب الرجل، فعكست (رؤية 2030) إرادة سياسية لتطوير وضع المرأة وتمكينها ورفع مستوى مشاركتها الاقتصادية والبناء على قدراتها ومعرفتها.

وتشير التوقعات إلى أن مشاركة المرأة بكامل طاقاتها قد تزيد الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام (2025م) بنسبة تناهز (26%)، وهو ما يعادل (28 تريليون دولار)، وبدأت تُترجَم هذه الأرقام إلى إصلاحات ملموسة على أرض الواقع أهمها أنها منحت للسعوديات دوراً قيادياً في المجتمع وفي التنمية الذي ستمتد آثاره إيجاباً على المنطقة العربية عموماً ومنطقتنا الخليجية خصوصاً.

تحية للمملكة وللملك سلمان ولوليّ عهده وللشعب السعودي الرائع الذي يشارك قيادته ويحفر درب المستقبل بأمانة وحماس وإصرار، وهنيئاً للبحرين التي كان لعلاقاتها التاريخية المتجذِّرة والراوبط المتينة بين أسرة آل خليفة والأسرة الملكيّة السعودية دور مهم في التصدّي للتحديات والتهديدات التي تُحيط بالمنطقة؛ فكانت لهم الحصن الحصين الذي اكد قوتهم ودورهم وتعزيز امنهم ومصالحهم السياسية والاقتصادية والتجارية المشتركة ودعم اواصر المودة ووشائج القربي بين الشعبين الشقيقين.

المحلِّل السياسيّ للشؤون الإقليميّة ومجلس التعاون