أثار الاتفاق بين السعودية وإيران مزيداً من الأسئلة حول الوسيط والضامن في الاتفاق وهو الصين، فالدور الصيني في الاتفاق المعلن بين البلدين أثار تساؤلات حول ثلاث نقاط، الأولى تتعلق بطبيعة الدور العالمي للصين والدخول في القضايا الإقليمية، والثانية تتعلق بمستقبل الدور الأميركي في المنطقة وموقفه من الاتفاق والنقطة الثالثة تتعلق بموقع الشرق الأوسط من التنافس الصيني - الأميركي.

وكل نقطة من النقاط الثلاث تستحق مقالة مفصلة لفهمها بشكل أوسع. وفي هذه المقالة سنتناول القضية الخاصة بطبيعة الدور الصيني في الوساطة بين السعودية وإيران وتحول دور بكين من لاعب اقتصادي إلى ضامن في تفاعلات سياسية وأمنية.

يتبلور الدور الصيني العالمي أخيراً حول الانتقال من سياسات ترتبط فقط بأمن الطاقة والعلاقات الاقتصادية إلى وضع مبادرة صينية للأمن العالمي، ثم الانتظام في قضايا إقليمية نقلتها من موقع المهتم بالعلاقات الاقتصادية إلى مرحلة التعاون والروابط الاستراتيجية وتكثيف الاستثمار، بل وضع تصور أمني إقليمي للشرق الأوسط.

النقطة الرئيسة هنا أن الصين وجدت في الشرق الأوسط ساحة مناسبة ليس فقط لتوظيف مقاربة مختلفة عن النهج الواقعي الذي توظفه واشنطن طوال الوقت ولم ينتج منه استقرار إقليمي ونجاعة في التعامل مع إيران، بل أدى إلى مزيد من التوترات مع تزايد النزعة الأميركية لتقليل انتظامها في الشرق الأوسط والتوجه نحو آسيا.

المقاربة الصينية في المنطقة اعتمدت أساساً على المقاربة الليبرالية في العلاقات الدولية بشكل أساسي للتخفيف من الآثار السلبية للفوضى والتوترات الإقليمية بدرجات متفاوتة بالاعتماد على تقليل كلف التفاعلات والتوترات بما يؤدي إلى التعاون متبادل المنفعة الذي يمكن أن يمتد إلى مجالات أخرى، مما يساعد على تفسير دوافع الدول في السعي إلى التكوين الحر للاتفاقات التجارية والمشاركة في الاتفاقات الأمنية الجماعية وحتى تقليل سيطرتها السيادية على شؤونها من خلال الدخول في رؤى فوق وطنية كبرى، مثل تجربة الاندماج في الاتحاد الأوروبي.

ما حاولت الصين تنفيذه فى الشرق الأوسط، وهو الإقليم الذي تتقاطع كثير من دوله مع مبادرتها "الحزام والطريق" أن عملت على توظيف علاقتها الاستراتيجية بكل من إيران والسعودية اعتماداً على المصالح التجارية لكل منهما معها لخلق تهدئة تسمح بحل التوترات والخلافات الإقليمية على النحو الذي يسمح لبكين بتنفيذ المشاريع الاقتصادية في إقليم مستقر أمنياً.

الصين الآن أكبر شريك تجاري للدول العربية وأكبر مستثمر أجنبي في المنطقة وتتقاطع مشاريعها الاقتصادية مع الرؤى الاستراتيجية لدول المنطقة لتنمية اقتصاداتها. هنا كان النهج الليبرالي أكثر فاعلية لخلق التهدئة من النهج الواقعي المستخدم من قبل واشنطن، لكن لا ينبغي التسرع في توقع النتائج.

من جهة، الصين هي أكبر شريك تجاري للسعودية والرياض هي واحدة من أكبر موردي النفط للصين، فتتلقى بكين أكثر من 40 في المئة من وارداتها من النفط الخام، وخلال زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية في ديسمبر (كانون الثاني) الماضي، جرى توقيع مذكرات تفاهم بقيمة عشرات مليارات الدولارات، وتوصل الجانبان إلى خطة تعاون شاملة تضم 182 إجراء تعاونياً في 18 مجالاً مثل السياسة والاقتصاد والتجارة والاستثمار، من هنا لدى الصين اهتمام متزايد بالاستقرار الإقليمي.

كما أن للصين علاقات قوية بإيران وهي تدعم طهران في كثير من المواقف، فبكين مورد للسلاح لإيران، كما واصلت استيراد كميات كبيرة من النفط الإيراني على رغم العقوبات الأميركية الثانوية، فضلاً عن توقيع اتفاق شراكة استراتيجية لمدة 25 عاماً بين الطرفين، كذلك سهلت عضويتها في منظمة شنغهاي للتعاون والأمن.

إن الاتفاق بين إيران والسعودية برعاية صينية لديه القدرة على المساعدة في تخفيف حدة النزاعات الإقليمية، لا سيما في اليمن، ويشير إلى رغبة بكين في لعب دور أكثر فاعلية كوسيط دولي، كما أشار وانغ يي في أثناء إعلانه عن الاتفاق. ستعمل بكين بالقدر نفسه الذي عملت به الولايات المتحدة وأوروبا لتشكيل السلوك في الشرق الأوسط بحسب رغبتها.

وسيسهم الاتفاق بين السعودية وإيران في بلورة دور الصين بقلب الشرق الأوسط، المنطقة التي تهيمن عليها الولايات المتحدة لفترة طويلة، فتولت بكين دور صانع السلام في محادثات، مما يمكن أن يتطور إلى فصل جديد في العلاقات الإقليمية، وربما إلى تشكيل تحالفات جديدة. وتتمتع الصين الوسيطة بنفوذ اقتصادي كبير على إيران وربما يؤدي التقارب إلى مزيد من تمزق العزلة المتسربة بالفعل التي أقامتها واشنطن حول إيران خلال الأعوام الأخيرة.

إن اتفاق السلام يعكس نهج الصين المتحول في المنطقة الذي ينتقل من التركيز على التجارة والاستثمار إلى الخوض في صراعات الشرق الأوسط المتوترة. يمكن للاتفاق أن يسلط الضوء على رغبة بكين في لعب دور أكثر نشاطاً في محاولة تحقيق الاستقرار في مسرح عالمي رئيس وهذا يدعم آفاق التعاون الدولي وراء المصالح المشتركة في مواجهة تراجع أوسع في المنافسة العالمية والإقليمية الصفرية.

لكن يظل التساؤل حول ما إذا كانت الصفقة ستساعد بكين على ترجمة نفوذها الاقتصادي إلى مزيد من مبيعات الأسلحة في المنطقة أو ممارسة التأثير في سلوك طهران.