استمعتُ باهتمام إلى اثنين من الفيديوهات المقدَّمة كلماتُها بصوت وحسّ الصديق الشيخ أحمد حسن فتيحي، الأول بعنوان: (تجارب وحياة)، والثاني بعنوان (وقد كان).

ولعلي أُقدِّم هنا مقاربة أُحاول من خلالها قراءة دلالات المحتوى في هذين الفيديوهين، واستشراف أبعاد الرؤية للوقوف على منظومة التجارب التي يضعها الفتيحي على مائدة الأجيال ورواد الأعمال للاستفادة منها، خاصة أنها تمزج الأدب بالثقافة والتجارة، وتُجسِّد تجارب وممارسات حياتية عركتها دروسُ ومواقفُ الحياة.

وحين يكون المتحدث شخصاً من رواد الاقتصاد؛ باعتباره تاجراً قد تشرّب حرفة صناعة الذهب منذ طفولته وريعان شبابه، فكان تاجر الذهب الوحيد الذي دخل موسوعة جينيس، فإن الأمر يقتضي التوقف واستقراء دلالات المعاني واستلهام الدروس التي يمكن أن يستفيد منها أبناؤنا من خلال محاكاتهم هذا النموذج الفريد.

كان حديثاً مُلهماً، حلّقنا من خلاله مع الفتيحي في آفاق رحلته مع هذه الصناعة الإبداعية، مستحضراً التحديات التي واجهها في الداخل، والتي ارتبطت بالثقافة المجتمعية التي كانت ترفض توظيف الفتيات حين قرر ذلك، ثم رحلته مع افتتاح أول مركز تجاري يملكه فردٌ واحد بالمملكة، وجولاته الأوروبية التي انتهت بتدشين محلات له في لندن ونيويورك وجنيف ثم إغلاقها، وصولاً إلى حصوله على وسام الفارس الأعلى من الرئيس الإيطالي، ودخوله موسوعة جينيس، وعضويته في عدد من مجالس الإدارات في جدة، ليُجسِّد أمامنا بنبرات الصدق نموذجاً للصبر والكفاح من خلال المزج بين المسارين التعليمي والعملي في بداياته مع هذه الحرفة؛ التي كانت في دكَّان والده وهو غضٌّ في العاشرة من عمره، لنستخلص من أصداء عباراته صورة للحياة الاجتماعية البسيطة التي تمتزج فيها القيمة الثقافية المُثلى، من خلال العناية بالكتب والمكتبات، والقيمة الاجتماعية المتجسِّدة في سمو الهدف ونبل الأخلاق، حيث لا يتحرَّج أفراد المجتمع البسيط من الكشف عن طبيعة عملهم بالمحلات الصغيرة أو الحرف البسيطة أو حتى في الحراج، طالما حافظوا على منظومة القيم الدينية والاجتماعية التي تربّوا عليها.

تلكم معانٍ وقِيَم جليلة برزت تفاصيلها في الفيديو الثاني المعنون بـ"وقد كان"، الذي يُقدِّم صورة للمجتمع المسلم الذي تسوده فضائل التواد والتراحم والترابط، وتجلّله المحبةُ والتواضعُ والمروءةُ، حيث شُكْرُ الأغنياء ورضا الفقراء واستقامةُ الشرفاء.. نفوسٌ طيبة امتلأت محبةً وهناءً وقناعة ورضا، وبيوتٌ مطمئنة تَشيعُ فيها روحُ المودةِ والرحمة، يتفرَّغ فيها الأب لأبنائه وزوجته، يستمعُ إليهم، يُحاورهم، يُوجّههم إلى منظومةِ القيم والأخلاق الدينية التي ينبغي أن يتحلَوا بها، لتطمئنَّ نفوسُهم ويزدادوا ترابطاً وتماسكاً ويقيناً، وليُقدِّموا صورة للمجتمع المسلم الذي ينتصبُ كالبنيان المرصوصِ يشدّ بعضه بعضاً.

شكراً لأبي وليد الذي أطرَبَنا بمعزوفة ذلك الزمن الجميل.