يظن الأمريكان أن لهم الفضل في اكتشاف البترول السعودي، ويتعاملون مع السعوديين أحياناً من هذا الباب، وترى ذلك في تصريحات الإعلام الأمريكي أو أعضاء الكونغرس، وهي رسائل يقولها من لا يستطيع التصريح بها من رجالات السلطة الرسميين.

وهذا غير صحيح، فالملك عبد العزيز هو من قاد مشروع الاكتشاف، وهو من أرسل وراء المقاولين والمكتشفين والجيولوجيين، وابتعث مستشاريه للبحث عمن يستطيع تقديم تلك الخدمة، والبترول كان سيكتشف على أيدي الشركات الأمريكية حينها أو لا حقاً على أيدي شركات أخرى، وسبق الأمريكان مكتشفون بريطانيون لم ينجحوا، بل إن مجلس إدارة شركة «ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا» التي تولت عمليات التنقيب في شرق البلاد كانت على وشك إعلان فشلها والرحيل، لولا اكتشفت البئر 7 أو ما يسمى ببئر الخير.

العلاقة في بداياتها كانت بين صاحب حلال -السعوديين، والمقاول - الشركات الأمريكية، ولم تنفتح الحكومة الأمريكية على صناعة النفط السعودي إلا لاحقاً، بعدما أدركت حجمها وأهميتها.

بنى السعوديون علاقات ممتازة مع الأمريكان على مدى عقود طويلة، لكنهم في الوقت نفسه خاضوا العديد من الأزمات، بدءاً من رسالة الملك عبد العزيز للرئيس الأمريكي روزفلت عن طريق القائم بأعمال المفوضية الأمريكية في القاهرة هذا نصها:

فخامة الرئيس. لقد اطّلعنا على ما نُشِر عن موقف حكومة الولايات المتحدة الأمريكية الخاص بمناصرة اليهود في فلسطين ونظراً لثقتنا في محبتكم للحق والعدل، وفي تمسُّك الشعب الأمريكي بالتقاليد الديموقراطية الأساسية المبنية على تأييد الحق والعدل ونصرة الشعوب المغلوبة، ونظراً للصِّلات الودّية القائمة بين مملكتنا وحكومة الولايات المتحدة نودّ أن نلفت نظركم، يا فخامة الرئيس، إلى قضية العرب في فلسطين وحقوقهم المشروعة فيها..

وأزمة تطرّف إدارة الرئيس جون كيندي وتعامله الخشن مع المملكة، الذي كان يفضل كعادة الديموقراطيين الدول الثورية، ووصلت العلاقة معه حد منعه بيع الطائرات العسكرية وإيقاف إرسال قطع غيار المعدات، وهو أسلوب رخيص تستخدمه بعض الإدارات الأمريكية مع حلفائها من أجل الضغط عليهم.

أزمة أخرى عصفت بالعلاقات إثر حزب أكتوبر 73 والتي تصدّرت فيها الرياض المشهد الدولي إثر قطعها إمدادات البترول عن الدول المساندة لحرب إسرائيل على العرب، وهو ما استدعى وصول وزير الخارجية الأمريكي كيسنجر للرياض على عجل وما واجهه خلالها من رسائل تؤكد استقلال القرار السعودي.

أزمة صواريخ رياح الشرق منتصف الثمانينات، وما لحقها من أزمة طرد السفير الأمريكي في الرياض، وكذلك العديد من الأزمات التي وقفت فيها الرياض موقفاً مستقلاً لا تابعاً لواشنطن، ومنها أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ورفض غزو العراق، ورفض مشروع الشرق الأوسط الجديد، والفوضى الخلاقة، والربيع العربي، ومشروع أوباما التدميري، وأخيراً العلاقة مع إدارة الرئيس الحالي بايدن، وما يتخللها من تخبط سياسي في واشنطن.

صحيح أن العلاقات السعودية الأمريكية كانت في أغلبها علاقة مشاركة وتبادل مصالح، كان فيها السعوديون صادقين، وإذا التزموا لا ينقضون عهداً وميثاقاً، إلا أن ذلك لم يمنعهم من التوقف أمام العلاقات مع الأمريكي ومراجعاتها متى لزم الأمر.

سيبقى النفط، أحد أهم مصادر حياة البشرية، وبالرغم من أن الأمريكان ينتجون ما يصل إلى 15 مليون برميل لوحدهم، إلا أنهم يظنون أنفسهم أوصياء على أي قطرة نفط تخرج في هذا العالم، أما لماذا؟ فلا أظن أن أحداً يعرف إجابة للسؤال غير رغبة واشنطن في فرض الهيمنة.

خلال عقود طويلة تزيد على ثمانين عاماً من تاريخ بيع النفط في الأسواق العالمية، كان السعوديون وغيرهم يرون من المصلحة الدولية بقاء الدولار ميزاناً لتسعيرة البرميل، ليصبح «البترو دولار» علامة الاقتصاد الدولي، لكن واشنطن وحلفاءها وصلوا لمرحلة جنون العظمة وتحولت السياسة والمصالح المتبادلة وإعطاء المساحات إلى سياسة تقول: «لا أراكم إلا ما أرى»، تحدد سقفاً لبيع البرميل للروس، وتهدد بوضع ضرائب هناك، وتلمح بفرض عقوبات على آخرين.

هذه ليست علاقة سوية وسليمة، بل عودة لعصور سحيقة كان ينصب فيها حكام الدول انغماسهم آلهة للعالم، من عندهم تبدأ الحقيقة ولا تنتهي إلا بين يديهم، وعلى الجميع بشراً وحكومات الانصياع، وألا تتم شيطنتهم وملاحقتهم وفرض الحروب الإعلامية والاقتصادية والعسكرية عليهم.

في ظني أن أمريكا ينطبق عليها المثل العربي القائل: «في الصيف ضيعت اللبن»، وها هي واشنطن ضيعت البترول كما أضاعت تلك السيدة اللبن في صحراء الجزيرة العربية، وستجد نفسها يوماً من الأيام بدلاً من شريكة في صناعة الطاقة، إلى مجرد متفرج في سوق استبدل الدولار الأخضر بسلة عملات متنوعة ومختلفة.