من بين أبرز أسباب الانهيارات والإفلاسات التي تتعرض لها المؤسسات المالية على مستوى العالم بين الحين والآخر، والتي من بينها البنوك التجارية، الانفلات المالي الذي يشبه إلى حد كبير الانفلات الأمني، الذي شهدته بعض الدول العربية إبان فترة ما سمي بالربيع العربي، والذي وللأسف الشديد تسبب في حدوث فوضى عارمة بتلك الدول ومزق وحدتها وشتت تماسكها.

وكما هو واضح أن ما مرت به بعض من البنوك الغربية مؤخراً من حالات إفلاس أدت إلى انهيارها، لخير دليل على الانفلات المالي الذي كانت تعيشه تلك البنوك لفترة طويلة من الوقت بعيداً عن عين الرقيب.

إن الصعوبات المالية التي تعرض لهما مصرف "سيليكون فالي Silicon Valley" ومصرف "سيغنتشر Signature" بالولايات المتحدة الأميركية واللذان ترتيبهما 16 و29 على التوالي كأكبر البنوك الأمريكية من حيث الأصول، بـ210 مليارات و114 مليارات دولار على الترتيب، قد أنذرت بحدوث أزمة مالية كبيرة جداً مقارنة بالأزمة المالية العالمية التي حدثت في منتصف عام 2008، سيما وأن تداعيات الانهيارات والإفلاسات الأخيرة قد تسببت في خسارة الأسواق المالية العالمية لمليارات من الدولارات من قيمتها.

لعل من بين أبرز الأسباب الشائعة التي تتسبب في انهيار المؤسسات المالية على مستوى العالم وإعلانها لإفلاسها، وبالذات البنوك التجارية، ما يعرف بسياسة عدم التطابق Mismatch بين الأصول والالتزامات المالية للبنك، وبالذات بين الأصول طويلة الأجل والودائع قصيرة الأجل، هذا بالإضافة إلى دخول المصارف في عمليات استثمارية فاشلة واقتناؤها لأصول مسمومة غير مجدية لا اقتصادياً ولا مالياً ولا حتى استثمارياً، وفوق كل ذلك وذاك، ضعف الرقابة التشريعية والتنظيمية على تلك المصارف.

ومن بين الأسباب كذلك، ارتفاع أسعار الفوائد العالمية بدرجات تفوق العوائد التي تحققها الأوراق المالية، كالسندات والصكوك سواء التي تصدرها المؤسسات المالية أم التي تحتفظ بها، ما قد يدفع المستثمرين التخلص منها حتى ولو بخسارة.

السؤال المهم الذي يطرح نفسه، هو ما مدى تأثر القطاع المصرفي بما حدث بأمريكا من صعوبات مالية لعدة بنوك أدت إلى انهيارها وإعلانها لإفلاسها وإقفالها لأبوابها أمام العملاء؟

محافظ البنك المركزي السعودي (ساما)، معالي الأستاذ أيمن السياري، في مقابلة أجراها مع قناة العربية السعودية يوم الخميس الموافق 17 مارس 2023، طمأن عملاء البنوك والمهتمين بشأن القطاع المصرفي السعودي، بعدم وجود أي تعاملات للبنوك المحلية في المملكة مع المصارف الأميركية المتعثرة، مشيراً بذات المقابلة، إلى أن القروض غير المنتظمة في المملكة لا تتجاوز 1.8 بالمئة من إجمالي قروض القطاع، وأن معدل كفاية رأسمال البنوك السعودية يقارب 20 بالمئة وغطاء السيولة أعلى من متطلبات لجنة "بازل".

كما وأضاف السياري أن القطاع المصرفي يتمتع بكفاية رأس مالية وسيولة عالية، وأن البنك المركزي قد فعّل أدوات تكميلية مؤخرًا لتوفير السيولة في الجهاز المصرفي.

ولعلي أضيف على ما قاله معالي السياري، بأن صافي إجمالي الأصول الأجنبية والاستثمارات الخارجية للبنوك السعودية لا تُشكل سوى نسبة بسيطة ومتدنية جداً إلى إجمالي حجم الأصول، حيث بلغت 2,2 و3.4 بالمئة على التوالي، وبالتالي لا تُشكل أي قلق يذكر بالنسبة للقطاع.

أخلص القول؛ أن القطاع المصرفي السعودي، قطاع مالي متين وقوي ويتمتع بمستويات ملاءة مالية تفوق نظيرتها بالقطاعات المصرفية المشابهة على مستوى العالم، وهذا ما تؤكده مؤشرات السلامة المالية للقطاع، والتي تظهر أن رأس المال التنظيمي إلى الأصول المرجحة المخاطر (معدل كفاية رأس المال) تبلغ 19.4 بالمئة والتي هي أعلى بكثير من متطلبات كفاية رأس المال للجنة "بازل" 1 و 3 واللتين بحدود 8 و 10.5 بالمئة على التوالي.

كما أن الرقابة الحثيثة على القطاع المصرفي من قبل البنك المركزي السعودي وحسن الإدارة بالبنوك السعودية، قد جنب القطاع وجعله في منأى عما يحدث من أزمات مالية عالمية بين الحين والآخر، كالأزمة المالية العالمية التي حلت بالعالم في عام 2008 وغيرها من الأزمات.

أخيراً وليس آخراً، قد أكدت وكالة موديز للتصنيف الائتماني في تقرير صدر عنها مؤخراً، على قوة البنوك الخليجية والتي من بينها البنوك السعودية، والتي تعود إلى امتيازات مالية واسعة ووجود دعم حكومي كبير عبر الميزانيات العمومية للبنوك، كما أنها ليست منكشفة على البنوك الأميركية التي انهارت، وليست عرضة للخسائر الكبيرة من سندات الديون المحتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق.