يقصد بمصطلح «العلاقات الدولية»: العلاقات المختلفة بين دول العالم (ممثلة بأشخاص حكوماتها)، وخاصة في جانبها السياسي. ومعروف، أن معظم الدول ترتبط ببعضها ــ وخاصة الآن ــ بعلاقات وثيقة ومتعددة ومتشعبة، في كل أو بعض مجالات الحياة. ويندر أن توجد دولتان الآن ليس بينهما أية علاقة بالمرة.

وتتميز العلاقات الدولية، حتى الآن، بسيادة عنصر «الفوضى» (Anarchy) في معظمها... أي: عدم وجود جهة عليا (أو سلطة حاكمة) تتولى عملية التوزيع السلطوي للقيم في مجتمع الدول، تعترف لها الدول بهذا الحق. أو بمعنى آخر، عدم وجود حكومة عالمية (متفق عليها، ومعترف لها بالحق في الحكم)، تضع القوانين، وتشرف على تنفيذها، والعمل على إلزام الدول بها، ثم المقاضاة بشأنها، ومعاقبة من يخالفها. ونتيجة لسيادة هذا العنصر في العلاقات بين الدول، أصبح قانون: القول الفصل لصاحب الإمكانات الأكبر والأقوى (قانون الغاب) هو السائد... حيث نجد أن القوي من الدول غالباً ما يستطيع فرض إرادته على الأضعف، عند تناقض واختلاف مصالح الطرفين. وتلك هي أبرز سمات هذا النوع من العلاقات بين البشر.

وهناك «سمات» كبرى أخرى... تتميز بها العلاقات الدولية، ومن أهم هذه الصفات كون العلاقات في ما بين أي دول تتأرجح دائماً بين ظاهرتين متناقضتين هما: التعاون والصراع (الدوليين). فإن كان التعاون (الود) يسود بين دولتين معينتين في وقت ما، بدرجة 80%، مثلاً، فإن الصراع (الخلاف) لا بد أن يسود بدرجة 20%، وهكذا. كما أن العلاقات الحالية في ما بين الدول تحكمها القوة والمصالح... الأمر الذي يبرر الجزم بأنه: لا توجد في ما بين الدول صداقات دائمة، أو عداوات دائمة، بل توجد مصالح دائمة. فصديق اليوم قد يصبح عدو الغد، وعدو اليوم قد يمسي صديق الغد، إن تغيرت المصالح، وهكذا. أي أن هذه العلاقات متغيرة دائماً، مع مرور الزمن. والتغيير، وعدم الثبات على حال، في المدى الطويل، هو سمة رئيسة من سمات هذه العلاقات.

****

تلك هي من أبرز السمات، إن لم نقل أبرزها. ولكن، هناك سمات عدة أخرى، تتسم بها العلاقات الدولية. ونسلط الضوء هنا على إحدى أبرز هذه السمات. ونقصد بها تشابه «العلاقات الدولية» الكبير مع «العلاقات في ما بين الأفراد». فالإنسان يتجسد في هيئة: حكومة، حزب، تنظيم، جماعة، منظمة... إلخ. وفي نهاية الأمر، فإن الدول بساستها (Politicians)... وهم أفراد، يتصرفون، غالباً، كما يتصرف البشر، في عمليتي الأخذ والرد، أو الفعل، ورد الفعل. وهذا التشابه الكبير في ما بين العلاقات بين الأفراد (أقارب، معارف... إلخ) والعلاقات في ما بين الدول (ممثلة بأشخاص حكوماتها) واضح للعيان. نعم، هناك فارق بين عملية اتخاذ القرار في العلاقات بين الناس، وعملية اتخاذ القرار السياسي، الذي يتخذه الساسة، ويمس حياة ملايين الناس. ولكن، ومع هذه الفروق، يكاد التشابه في سير وحركية العلاقات الدولية (فعل /‏ ‏رد فعل) أن يصل إلى درجة 80%. ويبقى الاختلاف في حدود 20%.

****

ونضرب في ما يلي «أمثلة» تؤيد ما ذكر. الدولتان «م» و«ن» متجاورتان، وساءت العلاقات في ما بينهما، نتيجة خلافات معينة. حدث أن حصل زلزال مدمر في الدولة «م». فسارعت الدولة «ن» بتقديم التعزية، والمساعدات الإنسانية الملموسة لمتضرري الزلازل في «م». ماذا نتوقع أن يكون «رد فعل» الدولة «م»، تجاه ما فعلته الدولة «ن»؟! غالباً ما ستشكر الدولة «م» الدولة «ن»، وذلك سينعكس إيجاباً، غالباً، على العلاقات في ما بينهما، فتتحسن هذه العلاقات، وتصفو النفوس، بعض الشيء. أما لو تجاهلت الدولة «ن» الكارثة التي حصلت في الدولة «م»، فإن ذلك سيثير الغبن لدى قادة «م»، وقد يعتبر، من قبلهم، عملاً عدائياً، يزيد العلاقات بينهما سوءاً، وتدهوراً.

ولو طبقنا هذا المثال على العلاقات في ما بين أفراد، وافترضنا أن هناك شخصين صديقين: «س» و«ص»، وأن خلافات أدت إلى تدهور علاقاتهما. وحدث أن توفي والد «س»، مثلاً، فسارع «ص» بتقديم التعزية، والمواساة لصديقه «ص». هنا، غالباً ما يكون رد فعل «س» هو الامتنان، والشكر لـ«ص». وذلك سينعكس غالباً بالإيجاب على العلاقات بينهما، فتصفو النفوس، وقد تعود المياه لمجاريها. أما لو تجاهل «ص» فقد «س»، فإن ذلك غالباً ما سيثير الغبن لدى «س»، ويؤدي إلى مزيد من التدهور في العلاقات بينهما. وقس على ذلك.

هذان المثالان يوضحان التشابه في عمليتي «الفعل /‏ ‏رد الفعل»، بين العلاقات في ما بين الأفراد، والعلاقات في ما بين الدول. ففي نهاية الأمر، كل «صناع القرار» في نوعي هذه العلاقات بشر، لهم نفس الانفعالات. إنهم يرضون، ويرفضون، يفرحون ويحزنون، يسالمون ويحاربون... إلخ.

ونشير قبل الختام إلى أن ظاهرة العلاقات الدولية هي من أهم الظواهر الإنسانية - الاجتماعية. فتطور العلاقات الدولية، في وقت معين، وبين أطراف معينين، يمكن أن يؤدي إلى تدعيم رفاه الإنسان، وتدعيم بقائه، على هذه البسيطة، ويمكن أن يؤدي إلى العكس... أي يمكن أن تتطور العلاقات، بين دول ما معينة، بما يؤدي ــ بعد مشيئة الله ــ إلى إتعاس كل البشر، أو بعضهم، وتهديد بقاء البشرية، والتسبب في هلاكها، خاصة في عصر أسلحة الدمار الشامل الرهيبة. ويمكن أن يتسبب في حصول العكس. ومن خطورة وأهمية ظاهرة العلاقات الدولية يستمد علم العلاقات الدولية أهميته الكبيرة، لرفاه الإنسان، بل وبقائه، في أحيان كثيرة. وهو العلم الذي يختص بدراسة هذه العلاقات، دراسة علمية... تهدف إلى فهم ظاهرة العلاقات الدولية (تنظيرها)، كما هي كائنة. ومن ثم محاولة امتلاك القدرة (العلمية) على التأثير (الإيجابي والسلبي) في سير هذه العلاقات، بما يخدم في النهاية أغراض المعنيين.