خصّص المنتدى العربي للبيئة والتنمية الذي انعقد، مؤخراً، في الكويت تقريره الرابع عشر لدراسة تأثير الأوبئة والحروب في البيئة والمناخ، وانعكاس ذلك على عملية التنمية المستدامة، لاسيّما التحوّل في قطاعي الطاقة والأمن الغذائي، إضافة إلى المياه. فخلال الأعوام الثلاثة ونيّف الماضية، أثّرت جائحة كورونا تأثيراً سلبياً كبيراً في جميع بلدان العالم على نحو شامل، وإن كان بدرجات متفاوتة، وإذا ما أضفنا إليها تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، فإن تأثير الأزمة العالمية الراهنة تعاظم في جميع الميادين والحقول، وهو يُنذر بتداعيات خطرة، إذا ما استمرّت لفترة طويلة.
وقد انعكس ذلك التأثير السلبي على العديد من البلدان العربية، فضاعف من أزماتها المعتّقة أصلاً، علماً بأن معدّل تقدّمها على صعيد التنمية المستدامة كان متدنياً قياساً بالعديد من البلدان الأخرى على المستويات، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحيّة والتربويّة والبيئية والنفسية، فضلاً عن المجال العلمي والتكنولوجي.
كان وباء كورونا، والحرب في أوكرانيا، عائقين إضافيين وتحدّيين كبيرين، واجَها خطة التنمية المستدامة التي تقرّرت في عام 2015 وتمّ تحديد سقفها الزمني عام 2030، الأمر الذي جعل إمكانية تحقيقها صعباً، بل وعسيراً على العديد من البلدان، لا سيّما العربية، خصوصاً أن أوضاعاً استثنائية قاهرة واجهت بعض البلدان، فضلاً عن أن بعضها الآخر لم يكن مستعداً لمواجهة المتغيّرات السريعة بسبب بنيته التحتية الضعيفة وعدم قدرته على الاستجابة لتلك المتغيّرات لوجود عقبات موضوعية وذاتية، لاسيّما مع انخفاض رصيد الفرد في الناتج المحلي، وارتفاع معدّلات الفقر والبطالة، وتدنّي مستوى الخدمات الأساسية، باستثناء البلدان الميسورة (النفطية).
وكان اتفاق باريس للمناخ «كوب 21» (2015)، نصّ على الحدّ سريعاً من انبعاث غازات الاحتباس الحراري، الأمر الذي يتطلّب تحولاً سريعاً إلى مصادر طاقة نظيفة ومتجدّدة، لكن الجائحة والحرب لم تعطّل ذلك فحسب، بل كشفت هشاشة الاعتماد الكبير على الوقود المستورد، وأبرزت أهمية أمن الطاقة.
وإذا كانت خطة التنمية المستدامة أعلنت أنه بحلول عام 2030 سيتم القضاء على الجوع (الهدف الثاني من أهدافها)، فإن الوباء وأوكرانيا لم يكونا حائلاً أمام التقدّم نحو هذا الهدف فحسب، بل ازداد الفقراء فقراً، خصوصاً في ظلّ النمو السكاني السريع، وشحّ موارد المياه والجفاف وانحسار مساحة الأراضي الصالحة للزراعة وتغيّرات المناخ وارتفاع درجات الحرارة، تضاف إليها الحروب والنزاعات الطائفية والإثنية.
وتحتاج المنطقة العربية إلى جهود كبيرة، وتعاون بين دولها، لتذليل المصاعب، وحلّ مشاكلها مع دول الجوار لمواجهة التحدّيات، سواء الخارجية المتعلقة بالأمن الغذائي وشحّ المياه والحروب والإرهاب والأزمات والأوبئة، أو الداخلية التي تتطلّب انتهاج سياسة حكيمة وترشيد استثمار الموارد، ونزع فتيل الصراعات الأهلية واحترام حقوق الإنسان والمواطنة السليمة والمتكافئة والحدّ من ظواهر الفساد المالي والإداري، إذ ليس من المعقول أن يكون بلداً، يطلق عليه تاريخياً «بلاد ما بين النهرين» عُرضة للعطش، وتتعرّض أرض السواد للجفاف، ويهجر الفلاحون أراضيهم بسبب شح المياه. وحين نستحضر العراق المعروف بثروته المائية ونهريه العظيمين، دجلة والفرات، فإنه على سبيل المثال لا الحصر، فما بالك ببلدان لا تملك أنهاراً، أو موارد طبيعية؟
إن ندرة المياه وتغيّرات المناخ وزيادة استهلاك الطاقة وانبعاث غازات الاحتباس الحراري أدّت إلى التصحّر وتصاعد فواتير الاستيراد، خصوصاً في ظلّ الركود الاقتصادي الذي صاحب الجائحة، فضلاً عن ارتفاع أعداد النازحين واللّاجئين، وانعدام شبكات الصرف الصحي والنظافة في المخيمات والمساكن العشوائية، فتدهورت الأوضاع الصحية بشكل عام، علماً بأن تأمين ذلك يندرج ضمن الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة.
الوباء والحرب حدثان كارثيان بكلّ معنى الكلمة، ولتطويق تداعياتهما والحدّ من تأثيراتهما الضارّة، لا بد من اعتماد استراتيجيات جديدة لنهوض العالم من كبوته، والعمل المضاعف لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 بخطوطها العريضة، ومراجعة ما لا يمكن تحقيقه، بمداورة بعض الأهداف ضمن برنامج تكميلي تدرّجي تأخذ البلدان الغنيّة والمتقدّمة فيه على عاتقها تأمين بعض الاحتياجات الضرورية للدول النامية، وتقديم المساعدة الضرورية لها في ما يتعلّق بالأمن الغذائي والأمن الطاقوي، وبالطبع الأمن الإنساني، لأن استمرار تدهور البلدان النامية، سينعكس سلباً على الدول الصناعية المتقدّمة والدول الغنية، ويسبب أزمات جديدة للعالم، بما فيها تفشّي ظواهر الإرهاب والعنف، والهجرة من بلدان الجنوب الفقير إلى بلدان الشمال الغني، فضلاً عن مشكلات الطاقة، لا سيّما النفط والغاز.
التعليقات