لقد دخلت اسرائيل الحرب تحت عنوان القضاء على العنف والارهاب الذي تمارسه حماس والحركات التابعة او المتحالفة معها، وكان العالم الغربي متعاطفا معها في البداية ولكنها ابتعدت عن هدفها المعلن لتقوم بتحقيق هدفها الحقيقي وهو ابادة الشعب الفلسطيني في غزة وتهجيره، وهذا ادى الى تغيير في الرأي العام الذي وجد ان اسرائيل ترتكب مذابح كبرى في غزة ضد الاطفال والنساء والشيوخ، كل ذلك لتنفيذ خطتها الكبرى في احتلال البقية الباقية من فلسطين وتكون بذلك قد انهت المرحلة الاولى من مخططها في حالة النصر، اما اذا طالت الحرب فانها سوف تدخل مرحلة حسابات جديدة، لان الشعب الاسرائيلي والرأي العام العالمي سيشكلون ضغطا هائلا على نتنياهو وحكومته التي سوف تسقط تحت اقدام حساباتها الفاشلة في ارتكاب جرائم حرب وتعريض الانسانية للخطر. وهناك العديد من الاسباب التي اعتقد انها سوف تؤثر على العلاقات الامريكية الاسرائيلية في ولاية بايدن بحكومة نتنياهو خاصة بعد ان اصبحت اسرائيل تحت تأثير القومية اليمينية المتطرفة التي تحكم اسرائيل ويصعب الدفاع عنها من قبل اعضاء الكونجرس والقنوات الفضائية الامريكية.

ولكن من يتحكم بخيوط اللعبة في العالم..؟ من لديه القوة التي تستطيع ان تخطط وتقتسم العالم كما تريد..؟ انها ثلاث دول او قوى عالمية استطاعت عبر التاريخ ونتيجة لانتصاراتها في الحروب او قوتها الاقتصادية من تحقيق التغييرات على خريطة العالم:

• الولايات المتحدة الامريكية التي تعتبر اكبر اقتصاد في العالم وقواتها المسلحة الاقوى في العالم لذلك تتصرف كما تشاء وليس من احد يستطيع محاسبتها وهي حليفة مباشرة لاسرائيل.

• بريطانيا الامبراطورية التي لا تغيب الشمس عن اراضيها وحكمت العالم عدة قرون وتعددت مناطق نفوذها.

• فرنسا التي استغلت انتصارها الى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية واطماعها بالحصول على مناطق نفوذ في الشرق الاوسط وافريقيا.

• الاتحاد السوفيتي ثم روسيا التي جاءت على انقاض الاتحاد السوفيتي الذي انهار كنظام شيوعي في عام 1990 واستقلت عنه مجموعة من الدول منها اوكرانيا التي غزتها روسيا لتستعيد قوتها وامكاناتها العسكرية والاقتصادية نظرا لموقعها الاستراتيجي وموانئها المهمة على المياه الدافئة.

ويحدثنا التاريخ كيف استطاعت هذه الدول بعد نهاية الحرب العالمية الثانية من احكام سيطرتها على العالم وتقسيمه بينها في مؤتمرين مهمين:

الاول: مؤتمر يالطا او (اتفاقية يالطا) وهي الاتفاقية الموقعة بين الاتحاد السوفيتي بزعامة ستالين وبين بريطانيا تشرشل والولايات المتحدة والرئيس روزفلت. وقعت هذه الاتفاقية في مدينة يالطا السوفياتية الواقعة على سواحل البحر الاسود من 4 إلى 11 فبراير عام 1945 وناقش المؤتمر كيفية تقسيم ألمانيا وكيفية محاكمة أعضاء الحزب النازي وتقديمهم كمجرمي حرب، وتم تقسيم ألمانيا إلى أربع كما رغبت بريطانيا والولايات المتحدة وتم تقسيم مدينة برلين بنفس الطريقة التي قسمت بها ألمانيا.

كان الهدف من المؤتمر هو تنظيم حالة السلم ما بعد الحرب والذي لم يقتصر على تشكيل نظام الأمن الجماعي فقط، بل امتد ليشكل خطة تقتضي إعطاء الشعوب المحررة من النازية حق تقرير المصير ومن أجل إعادة تأسيس دول أوروبا التي مزقتها الحرب.

الثاني: اتفاقية سايكس بيكو: معاهدة سرية وقعت بين فرنسا وبريطانيا بموافقة روسيا وايطاليا على اقتسام الهلال الخصيب او الشام بين كل من فرنسا وبريطانيا ولتحديد مناطق النفوذ في غرب اسيا وتقسيم الدولة العثمانية التي كانت المسيطرة على تلك المنطقة في الحرب العالمية الاولى. وقد اعتمدت الاتفاقية على فرضية أن التحالف الثلاثي سينجح في هزيمة الدولة العثمانية او الرجل المريض، وقد تم توقيع معاهدة سايكس بيكو في مايو 1916 خلال الحرب العالمية الأولى وتشكل جزءا من سلسلة من الاتفاقات السرية التي كانت تهدف الى تقسيم الدولة العثمانية ودولها التابعة في غرب اسيا والشرق الاوسط.

لماذا هذه المقدمة؟ اعتقد ان المنطقة العربية تعيش نفس الظروف.. ظروف الحرب العالمية الاولى والعالمية الثانية، لان الحرب الدائرة في غزة سيكون لها انعكاسات على المنطقة والعالم وسيكون هناك على ما اعتقد نظام دولي او عالمي جديد، وستكون هناك تغييرات في الحدود تنهي دول وتأتي بدول جديدة على خارطة العالم، كما ستبرز دول او قوى كبرى جديدة سوف تتحكم في مصير العالم ودوله، وسيكون لأسرائيل دور محوري في مستقبل منطقة الشرق الاوسط. فالمعروف ان الاطماع الاسرائيلية تتطلع الى تحقيق دولة اسرائيل الكبرى من الفرات الى النيل ومد نفوذها على المنطقة خاصة دول مجلس التعاون من خلال الاتفاقيات الثنائية واقامة علاقات دبلوماسية وتبادل تعيين السفراء.

ان من اهم اسباب اعادة تشكيل الشرق الاوسط يعود الى سيطرة المتطرفين في الجهاز الحكومي بالولايات المتحدة تحت ستار مكافحة العنف والارهاب ونشر وحماية الديمقراطية والقضاء على الفساد لا سيما بعد الهجوم على برجي التجارة العالمي في نيويورك، فوضعوا مخطط اعادة السيطرة على الشرق الاوسط ليسير في دائرة الولايات المتحدة وان تكون اسرائيل مقبولة من كل الاطراف في الشرق الاوسط، هذا المخطط الذي يواجه رفضا جادا خاصة من السعودية هدف اسرائيل الاول نحو اقامة علاقات ثنائية معها والتي لن تتحقق -كما اعتقد- الا بقيام دولة فلسطين الى جانب دولة اسرائيل.

ولكن ومن اجل ان يتحقق هذا الهدف فعلى الولايات المتحدة ان تدفع الثمن وعلى دافع الضرائب الامريكي ان يستمر في الدفع وعلى الشعب الاسرائيلي ان يتحمل الانهيار في اقتصاده وهبوط البورصة وتعطل الحياة التجارية وتوقف معظم المؤسسات عن العمل وتوقف جزئي في حركة المواصلات وشلل تام في الزراعة والانتاج الزراعي وصرف الملايين من الدولارات على اقلاع وهبوط الطائرات الحربية والخوف والقلق بين مواطنيه، وعلى (نتنياهو) -الذي يتزعم اكبر كتلة يمينية في تاريخ اسرائيل- ان يستمر في استلام المليارات الامريكية لتفجير الموقف، بعد ان فقد السيطرة على اعضاء حكومته وتصريحاتهم النازية بألقاء القنبلة الذرية على غزة حتى اصبح امر ايقاف الحرب ليس بيده، لتفقد اسرائيل اخر ادعاءاتها بأنها دولة سلام يحيط بها بحر من الاعداء الذين وافقوا على (اوسلو) وقدموا المبادرات السلمية لحل الصراع العربي الاسرائيلي وحل الدولتين بل ان بعض الدول العربية فتحت ابوابها على مصراعيها واقامت علاقات دبلوماسية مع اسرائيل على امل ان يفتح -هذا التطور الدبلوماسي غير المسبوق الذي اثار ضجة في الشارع العربي -الطريق نحو مراجعتها لدفتر تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي والعمل من اجل بناء قواعد السلام وتثبيت ركائز الامن والاستقرار في المنطقة على اسس القرارات الدولية ومبادرة السلام العربية. ولكن لم يحدث شيئا من هذا، بل اصبحت اسرائيل اكثر تشددا في مواقفها.

لذلك ومهما قلنا لن تظل إسرائيل مجرد أداة امريكية للحفاظ على مصالحها ولكنها قوة في قلب الشرق الاوسط تمثل الحضارة الغربية وقيمها ورموزها كما أنها تمثل من ناحية أخرى امتدادا للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط التي قد تكون إسرائيل نفسها جزءا منها. وبالتالي فإن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل هي في الأساس علاقة التزام أمني وحضاري وسياسي امريكي تجاه إسرائيل.