49 يوماً مضت وانقضت من حرب إسرائيل على غزة خسر فيها الفلسطينيون أكثر من 15 ألف شهيد وآلاف من الجرحى والمفقودين، وتمّ تدمير هائل للمباني والبنية التحتية، ولا زالت غزة في وضع تطهير عرقي وتهجير وأمام حرب إبادة لا ترحم.

نعم دخلت الهدنة ولمدة أربعة أيام فقط حيز التنفيذ بدءاً من يوم الجمعة الماضي، وتنتهي بنهاية يوم الاثنين، أي أن أصوات طبول الحرب سوف تعود من يوم الثلاثاء ما لم يكن هناك تمديد للهدنة ليوم أو أكثر، ثم يبدأ الإسرائيليون في استئناف مجازرهم بحق المدنيين الفلسطينيين.

ومع نهاية أيام الهدنة المحدودة يقول الإسرائيليون بأنهم سوف يواصلون الحرب، معلنين أن المنطقة الشمالية من غزة منطقة حرب محظورة، ويمنع التجوال فيها، في نية إسرائيلية مبكرة على أن الحرب سوف تتواصل بعد الهدنة، حتى ولو تم الإفراج عن كل الأسرى لدى حماس.

وللتأكيد على الموقف الإسرائيلي، فقد أكد رئيس الأركان في جيش العدو الإسرائيلي في اجتماعه بعناصر من الجيش عشية إطلاق صفقة الهدنة على أنهم ماضون في حرب طويلة مع حماس حتى تغيير الوضع في غزة، وإنهاء أي تواجد لحماس فيها.

هذا يعني أن الهدنة غير كافية لإسكات أصوات آلات الحرب، وأن المطلوب لإيقاف العمليات العسكرية أن تكون بشكل دائم، وأن يبدأ العمل على تنفيذ خيار الدولتين بشكل فوري وجاد وحاسم، بعيداً عن التسويف والمماطلات الإسرائيلية.

ما يهمني قوله إن إسرائيل في حالة ضعف، بدليل مرور خمسين يوماً على حربها، ولم تستطع أن تحرر رهينة واحدة من الأسرى لدى حماس، ولم تتمكن من أسر أي قائد في حماس، ولم تتمكن من احتلال غزة وتهجير سكانها كما كانت هذه أهدافها، ولولا تدخل أمريكا طرفاً مهماً في هذه الحرب لكان وضع إسرائيل أسوأ.

من البداية كان من الواضح أن إسرائيل مخترقة، وإلا لما تمكن مجموعة صغيرة من عناصر حماس أن يقتحموا إسرائيل براً وبحراً وجواً، وأن يقتلوا ويأسروا هذا العدد الكبير من الإسرائيليين، بينما كان الجيش الإسرائيلي الذي يقولون إنه لا يقهر يغط في نوم عميق.

أريد أن أقول إن السلام مقابل الأرض والتحرر من الاستعمار الإسرائيلي، وأن القول بأن السلام مقابل السلام كما تريد إسرائيل إنما هو قول لا يجعل إسرائيل في وضع آمن ومستقر لا في الحاضر ولا في المستقبل، والدليل أن إسرائيل كلما تخلصت من محارب فلسطيني، ولد أمامها مجموعة من المحاربين.

وأمريكا لا تخدم إسرائيل بهذه المواقف المعادية لحقوق الشعب الفلسطيني، وهذا الدعم الأعمى لأطماع إسرائيل، وإنما تورطها في حروب للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية هي في غنى عنها، وآن الأوان لتراجع واشنطن مواقفها لصالح الأمن والاستقرار في منطقتنا، وحماية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وطوفان الأقصى حرّك الضمير العالمي على مستوى الشعوب وبعض الحكومات، ورأينا على نطاق واسع الاحتجاجات الشعبية، تطالب بوقف الحرب، والتوجه لخيار الدولتين، بل إن بعض مؤيدي إسرائيل من بعض الحكومات انحازت بعد هذه الحرب لصالح مطالبة الفلسطينيين بدولة لهم وفقاً للمرجعيات والقرارات الدولية.

في داخل إسرائيل هناك غليان شعبي ضد نتنياهو وحكومته العنصرية المتطرفة، يطالبون بوقف الحرب، وتحرير الأسرى الإسرائيليين لدى حماس بالحوار، وتبادلهم بالأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل، وهذا يحدث لأول مرة منذ قيام الكيان الإسرائيلي في فلسطين.

للأسف إن العالم انشغل بما يجري في غزة من إبادة جماعية، عن إبادة أخرى تتم في الصفة الغربية، فالاجتياحات الإسرائيلية لمناطق السلطة الفلسطينية وقتل أعداد من الفلسطينيين، وسجن أكثر من ألفي فلسطيني، أصبحت تتم على مدار الساعة، في ظل صمت العالم وسكوته عن هذه الجرائم.

وفي كل ما يحدث لا يمكن إعفاء الولايات المتحدة الأمريكية من المسؤولية عن هذه الجرائم، وبالأخص الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي أصبح ظهوره يتم يومياً لرفع معنويات الإسرائيليين، والإعلان عن تقديم المزيد من الأسلحة لهم، والتأكيد على أن ما يهمه تحرير الأسرى لدى حماس، فيما لا يعنيه تجويع الفلسطينيين ومنع الدواء والغذاء والمحروقات والماء عنهم، وجعلهم تحت وابل رصاص الجيش الإسرائيلي على مدى ساعات اليوم.

مرة أخرى الهدنة، أو الهدن القادمة لا تكفي إلا لسد رمق الفلسطينيين إلى حين تحرير الأسرى لدى حماس، ثم الإطباق على المدنيين بالقتل والتهجير، بعد أيام محدودة ومؤقتة لإيصال المساعدات في مقابل تبادل الأسرى، وما بعد ذلك سيكون الفلسطينيون أمام ما هو أشد وأخطر.