في الخامس من ديسمبر القادم يأتي انعقاد القمة الخليجية وسط أحداث مختلفة، تضع دول مجلس التعاون في قلب هذه الأحداث، وتضع العالم أمام تغييرات محتملة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بعد أن أصبح مسار التطبيع لإنهاء ما كان يسمى بالصراع العربي الاسرائيلي تاريخًا يحتاج الى ترميم وإعادة بناء من جديد، خاصة بعد المواقف الاسرائيلية التي كانت سببًا وراء انهيار مبررات وتطلعات إسرائيل نحو التطبيع وضربها عرض الحائط الاتفاقات الابراهيمية التي تم التوقيع عليها مع بعض الدول العربية والتطورات الساخنة المتفجرة في العلاقات الاسرائيلية الفلسطينية والضغوطات المتزايدة عالميًا لما يجرى في غزة من إبادة جماعية وتهجير للشعب الفلسطيني الى جانب الضغوطات الشعبية المحبطة على مسار السلام الثنائي الذي لم يحقق شيئًا من أجل السلام وإعادة الحقوق للشعب الفلسطيني وخاصة إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية إلى جانب دولة اسرائيل.

ويأتي انعقاد الدورة الرابعة والأربعين لمجلس التعاون بعد أيام قليلة في الدوحة في ضوء تحركات وزيارات رسمية متوقعة بين قادة عددٍ من دول المجلس قبيل انعقاد القمة الخليجية لتسوية بعض المشاكل العالقة وعودة مسار العلاقات الثنائية لمسارها الطبيعي مما يُثَبِتَ أمنها واستقرارها، ويؤكد بأن دول مجلس التعاون تسير في الطريق الصحيح على الرغم عن كل ما يقال من أحاديث وتحليلات في القنوات الفضائية، وما يبث من تقارير ومعلومات سواء من مصادر سرية أو غيرها، وذلك بأن المنطقة قادمة على التقسيم ووصلت إلى مرحلة النضج لإنهاء دول وإقامة دول جديدة بحدود جديدة، وذلك وفقًا لمصالح الولايات المتحدة الامريكية والاسرائيلية، الأمر الذي يقتضي أخذ الأمور بجدية أكثر.

إن القمة القادمة فرصة لبحث تعزيز التضامن والعمل الخليجي المشترك وتنفيذ قراراته التكاملية وحماية شعوبه المحبة للسلام وحفظ مكتسباتهم وإنجازاتهم التي تمت منذ أربعة عقود رغم كل ما واجهه المجلس من مشاكل وعراقيل متعدة استطاع تجاوزها بفضل حكمة قياداته. إلا أنه ورغم كل الإنجازات التي حققها لم تزل هناك أموار تتطلب تركيزًا أكبر عليها تعزيزًا للتكامل الخليجي وتتلخص في ما يلي:

1. إعداد دراسة جادة ومعمقة لدعوة إنشاء «الاتحاد الخليجي» الذي دعا اليه الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله في قمة الرياض 2011، ووجدت ترحيبًا من كل قادة دول المجلس، إلا أنها دخلت في دهاليز اللجان حتى ضاعت الفكرة العظيمة وأصبحت على الرف الأمر الذي يتطلب أعطاءها الفرصة خاصة أمام هذا المد الهائل من التوترات والصراعات والتهديدات المحيطة بدول المجلس.

2. سرعة استكمال المواطنة الخليجية من النقطة التي وصلت اليها فيما يخص العمل والنشاط الخليجي المشترك بين دوله الأعضاء ويستشعرها المواطن الخليجي للاطمئنان على أمنه واستقراره ومستقبل الأجيال القادمة وتنفيذ عدد من المشاريع التكاملية خاصة مشروع السكة الحديد الذي سيربط دول المجلس من الكويت شمالاً الى مسقط جنوبًا.

3. الاتفاق على الحد الأدني فيما يخص السياسة الخارجية مع الدول الأخرى وخاصة الدول الكبري والتعامل الحذر مع الصراعات والتهديدات المحيطة بدول المجلس ومراقبة نتائجها خاصة تلك القائمة والمتوقعة وانعكاساتها واتخاذ موقف الحياد منها لضمان أمنها واستقرارها.

أما فيما يتعلق (بالتغيير) فلابد من استكمال مسيرة بناء المجتمع الخليجي الجديد القائم على التعددية والمشاركة الوطنية في إدارة الحكم باتخاذ الخطوات المكملة لما هو قائم على أرض الواقع من إنجازات مهمة لترسيخ التعددية وبناء المجتمع الخليجي المتحضر. فلقد أثبتت دول المجلس ادراكا سليماً مصالح مواطنيها مما كان له دور في تحقيق العديد من انجازاتها المدنية والحضارية التي هي من اهم أسباب نجاح المسيرة الرائعة لمجلس التعاون التي تعمل على تحقيق رؤية متقدمة لحماية حقوق الانسان وحرية الرأي والتعبير والعدالة والمساواة وإتاحة الفرص للجميع والقبول بالآخر والقضاء على الفساد طبقًا للعديد من الرؤى التي طرحها أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس في القمم الخليجية المختلفة.

كما أنه لابد من معالجة الخلل في العلاقات الخليجية الأمريكية، انطلاقًا من أن العلاقات مع الولايات المتحدة تبقى أساسًا مهمًا للأمن والاستقرار في المنطقة، ولكنها تتطلب المراجعة الجادة من الجانبين والبحث عن السبل الكفيلة بتأسيس شراكة استراتيجية حقيقية قائمة على المصالح المشتركة ووضع أسس جديدة للعلاقات التاريخية والاستراتيجية القائمة. صحيح إن كل دولة من دول المجلس لديها علاقات خاصة مع الولايات المتحدة إلا أن ذلك لا يمنع من وجود استراتيجية سياسة خليجية موحدة وفي حدها الأدنى للتعامل مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بأمرين:

الأول: أهمية وضوح العلاقات الامريكية الايرانية وطريقة التعامل معها، الذي بات محل جدل كبير لدى دول مجلس التعاون. فبعد فترات من التصعيد في عهود الرؤساء الامريكيين، جاء بايدن ليعلن أنه سينتهج الدبلوماسية في التعامل مع الملف النووي، لكن خطوات الأخير اصطدمت بتعنت وعناد أدى لفشل سبع جولات من المباحثات السرية بينهما مما أثار تساؤلات حول الطريقة المثلى للتعامل مع إيران من وجهة النظر السياسية والاستراتيجية الأمريكية.

إلا أن تجارب دول المجلس اثبتت بأن العلاقات الأمريكية الإيرانية تسير في الطريق المعاكس وعدم استقرارها بسبب وجود تاريخ طويل من التفاهمات والتعاون، بل التحالف بينهما، انطلاقًا من مصالح البلدين الإستراتيجية بغض النظر عن علاقات الصداقة التاريخية بين دول المجلس والولايات المتحدة التي بدأت منذ ثلاثينيات القرن الماضي. لذلك نلاحظ أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران فيها الكثير من الغموض ومثيرة للتساؤلات، حيث يتبادل الجانبين التصريحات العدائية في الإعلام في الوقت الذي يسعى فيه كل جانب للتهدئة مع الآخر.

ثانيًا: الحد الأدنى من التفاهم الاستراتيجي لوقف سعي الولايات المتحدة في التغيير الشامل الذي تسعى الى تحقيقه في جميع دول المجلس دون استثناء.

هذه الاستراتيجية التي تقوم على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون، الذي يعني توقف الادارة الامريكية عن خططها للتغيير في المنطقة والتفاهم معها بأن أي تغيير يجب أن يتم من الداخل ومن خلال المؤسسات الدستورية القائمة والبرامج التي يتم الاتفاق عليها مع الجانب الامريكي لتعزيز التعددية ودعمها وبنائها لتكون أكثر انسجامًا مع المجتمع الخليجي وظروفه وعاداته وتقاليده وتنفيذ أية تغييرات خطوة خطوة. لأن من أهم أسس التعددية هي الالتزام بالمسؤولية واحترام النظام وترجيح كفة المعرفة على القوة. وقد اثبتت تجارب التغيير في المنطقة عام 2011 بأن نتائجها كارثية والأمثلة على ذلك قائمة الى يومنا هذا في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا.