انعقدت القمة الخليجية الـ44 في قطر، يوم الثلاثاء الماضي بمدينة الدوحة. وكان إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربي ضرورة اقتضتها تلك المرحلة التي كانت تشهد ظروفاً سياسية معقدة على رأسها حرب الخليج الأولى، وكان الهدف الرئيسي من وراء تأسيسه هو العمل الجماعي بين دول المجلس، وتفعيل دبلوماسية مجلس التعاون، لخدمة قضايا دول المجلس، والتنسيق لخدمة القضايا الوطنية والعربية والإسلامية، والتواصل الجماعي مع كافة القوى الإقليمية والدولية، وصون المصالح المشتركة لدول المجلس في كافة المحافل الدولية.

إضافة إلى بُعد اجتماعي آخر، لا يقل أهمية عن البعدين السياسي والاقتصادي لتشكيل المجلس، ألا وهو تعميق الانتماء المشترك لأبناء دول المجلس، وتحسين هويته وحماية مكتسباته عبر تكثيف التواصل والتقارب بينهم. حيث ذكرت الفقرة الرابعة من النظام الأساسي أن دول المجلس تعمل على تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين؛ حيث ينظر المواطنون، في دول مجلس التعاون الخليحي، إلى قادتهم بعيون آملة ومخلصة، لأن الوحدة الخليجية بحاجة دائماً إلى منهجية حضارية في التعامل مع الاختلافات والتنوعات، حتى يؤتي هذا التنوع ثماره على مستوى التعاون والتعاضد والمنهجية الأخلاقية والحضارية الناظمة لتطور مساحات التعاون، قوامها الحوار وتنمية المشتركات ومساواة الجميع، حيث توالت خطوات دول المجلس نحو التكامل من خلال العمل على تحرير حركة عوامل الإنتاج، وإزالة كافة التحديات التجارية، وتنسيق السياسات الاقتصادية ومن ثم توحيدها، وصولاً إلى مراحل متقدمة من التكامل الاقتصادي.

وسعياً لتحقيق التكامل الاقتصادي الخليجي، عملت دول المجلس على تطبيق المساواة في كافة مجالات السوق الخليجية المشتركة، متضمنة الحريات الأربع: حرية حركة السلع، حرية حركة الخدمات، حرية حركة رؤوس الأموال، وحرية تنقل الأفراد. وقد تبنت دول مجلس التعاون الخليجي سياسات عملية، وتطبيقاً واقعياً لمشاريع التكامل الاقتصادي يعتمد مبدأ «خطوة تلو خطوة»، بما يساعد في تحديد الأهداف، وتطوير البرامج التي يمكن تطبيقها، والاهتمام بالتقارب في مجال التعليم وتوحيد المناهج، وفي أمور مختلفة ليعرف أبناء مجلس التعاون أن تاريخهم واحد، نابع من داخل مجتمعهم ومتوائم مع مكتسبات الحضارة الإنسانية.

وفي خطوة تؤكد المسيرة المتصاعدة فقد أعلنت سلطنة عمان العام الماضي، تصديقها على الاتفاقية الخاصة بربط أنظمة المدفوعات بدول مجلس التعاون الخليجي. ولا شك أن نظام المدفوعات الخليجي هو خطوة تعزز الاستقرار المالي والاقتصادي في دول المجلس. وستكون شركة المدفوعات الخليجية عند انضمام كافة دول الخليج إليها علامة فارقة في مسيرة التعاون الخليجي، فرغم أن الخطوات التكاملية السابقة لا يمكن الاستهانة بها، لكن هذه الخطوة الحالية ستعزز من قدرة الاقتصادات الخليجية على مواجهة الأزمات المالية العالمية، والتي تحدث بشكل مستمر مثل تلك الأزمة التي حدثت في الأعوام الماضية، وتسببت بإلحاق أذى لمختلف الاقتصادات العالمية ومنها الاقتصادات الخليجية.

إن المتابع للاقتصاد العالمي وتداعياته خاصة بعد أزمة كورونا، وما إن بدأ الاقتصاد العالمي بالتعافي حتى جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية لتلقي بظلالها القاتمة على الاقتصاد العالمي، وخاصة الاقتصاد الأوروبي، وتشير الدراسات الى أن هناك مؤشرات على قرب حدوث أزمة أخرى، خاصة مع الحديث عن دخول الاقتصاد الغربي في مرحلة كساد، عقب الحرب في أوكرانيا، وما ترتب عليها من العقوبات المتبادلة بين الغرب من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، مما ينذر بحدوث كوارث اقتصادية في العالم، بدأت سحبها تغطي سماء أكبر الاقتصادات الأوروبية، وربما تكون لها أصداء سياسية كتلك التي رأيناها في استقالة عدد من الحكومات في الدول الأوروبية، لعجزها عن الخروج من الأزمة، وتجاوباً مع التظاهرات التي خرجت هنا وهناك.