إيلاف من لندن: مع بزوغ شمس الخامس عشر من أيلول (سبتمبر)، يحتفل الأمير هاري، دوق ساسكس، ببلوغ عامه الأربعين في منزله الفخم بكاليفورنيا.
بعيداً عن أضواء القصور الملكية والواجبات التي اعتادها في بلده الأم، أصبح الأمير الآن يعيش حياة مختلفة تماماً. منذ عقدٍ من الزمن، كان الأمير هاري في قلب الأسرة المالكة البريطانية، محبوباً بين الناس، ومرشحاً لخلافة العرش، ومشاركاً في فعاليات وطنية وعسكرية كرّست مكانته كأحد أكثر أفراد العائلة شعبية.
في ذلك الوقت، بدا أن مساره محدد؛ إلا أن السنوات التي تلت شهدت تحولات جذرية في حياته.


العروسان
ففي عيد ميلاده الثلاثين، كان هاري يعيد النظر في مستقبله، متحدثاً عن مفترق الطرق الذي وجد نفسه فيه. كان يسعى للعثور على امرأة يشاركها حياته، ويبحث عن وظيفة عادية تمنحه الاستقرار الذي كان يتطلع إليه خارج أروقة القصور. ولكن مع مرور السنوات، تغير كل شيء. لم تعد حياته تدور حول واجباته الملكية، ولم يعد تحت الأضواء كما كان في السابق. وبدلاً من ذلك، وجد نفسه محاطاً بعائلته الصغيرة في مونتيسيتو، بعيداً عن كل ما عرفه طوال حياته السابقة.

بحسب تقرير الكاتبة هانا فورنيس، محررة الشؤون الملكية في صحيفة "الغارديان" البريطانية، فإن الأمير هاري عندما كان يحتفل بعيد ميلاده الثلاثين، كان في قلب العائلة الملكية البريطانية، محبوباً بين الشعب، ومرشحاً لخلافة العرش. ولكن منذ ذلك الوقت، تغيرت حياته بشكل كبير. ففي عيد ميلاده الأربعين، لم يعد الأمير هاري ذلك الأمير الذي يتنقل بين القصور الملكية والألقاب العسكرية، بل أصبح يعيش حياة جديدة تماماً في كاليفورنيا، حيث يقضي أيامه برفقة عائلته الصغيرة في عزلة تامة عن الحياة العامة التي عرفها سابقاً.

مونتيسيتو الراقية... حيث استقرت العائلة
مونتيسيتو الراقية... حيث استقرت العائلة

حياة جديدة
المنزل الفخم الذي يقيم فيه هاري وميغان في مونتيسيتو، يضم تسع غرف نوم، 16 حماماً، وحمام سباحة فاخراً، ويعتبر مكاناً مريحاً بعيداً عن الأضواء الملكية البريطانية. في هذه البيئة الجديدة، يعيش هاري حياة مليئة بالهدوء والاستقرار؛ يمشي على الشاطئ، يركب الدراجة الهوائية، ويقضي وقته مع طفليه، آرتشي البالغ من العمر خمس سنوات وليليبت ذات الثلاثة أعوام. ومع ذلك، فإن هذه الحياة الجديدة لا تخلو من التحديات. فابتعاده عن القصور الملكية رافقه فقدان الكثير من أصدقائه القدامى والابتعاد عن الألقاب الملكية التي كانت تمثل جزءاً كبيراً من هويته.

في مقابل هذا الاستقرار العائلي، يدفع الأمير هاري ثمناً باهظاً. فقد اختفى الواجب الملكي الذي كان يتنقل به بين مدن بريطانيا الممطرة لمصافحة المتطوعين والقيام بواجبات رسمية، واختفت معه أيضاً الألقاب والامتيازات المقرونة بالحياة الملكية. حتى أصدقاؤه المقربون الذين كانوا يرافقونه في السهرات في الحانات والمغامرات في الجيش باتوا بعيدين عنه. أصبح الأمير هاري محاطاً بدائرة صغيرة من الأصدقاء الجدد في كاليفورنيا، وأصبحت حياته الاجتماعية مقتصرة على حفلات صغيرة في منزله الفخم، بعيداً عن الأضواء.

الاستقلالية المالية X الواجبات الملكية
منذ انتقاله إلى كاليفورنيا، يسعى الأمير هاري إلى بناء حياة مستقلة، بعيدة عن العائلة الملكية. حقق الاستقلالية المالية التي كان يسعى إليها من خلال صفقات تجارية مع منصات كبرى مثل "نتفليكس" و"سبوتيفاي". تلك الصفقات لم تكن دائماً سلسة، فقد تعرضت لبعض الانتقادات بسبب بطء إنتاج المحتوى أو مغادرة الموظفين. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن هاري استطاع تأمين دخل كبير يضمن له الاستقرار المالي في أسلوب حياته الجديد، بما يشمل ذلك من تكاليف للقصر الذي يقطنه، ولفريق الحماية الشخصية الذي لا يفارقه.

لكن هذه الصفقات لم تكن كافية لإطفاء الصراعات التي ما زالت تطغى على حياته. هاري لم ينفصل عن الصحافة البريطانية التي قررت معاداته منذ اللحظة التي قرر فيها مغادرة بريطانيا. أكثر من ذلك، بين الأمير هاري والصحافة البريطانية جولات من المعارك العلنية. علاقته المتوترة مع أفراد عائلته الملكية، خصوصاً شقيقه الأمير ويليام، لا تزال تشعل تلك الصراعات. وعلى الرغم من زياراته المتقطعة للمملكة المتحدة لحضور مناسبات عائلية، مثل جنازة عمّه اللورد فيلوز، إلا أن الشواهد تشير إلى أن العلاقات بينه وبين عائلته لم تتحسن بعد.

مع الجدة الراحلة اليزابيث الثانية
مع الجدة الراحلة اليزابيث الثانية
خصام مع العائلة والصحافة
بحسب تقرير "الغارديان"، يبدو أن الأمير هاري يخوض حرباً مفتوحة على جبهات متعددة. ففي كل ظهور إعلامي أو مقابلة صحافية، يكرر الأمير هاري شكاواه من العائلة الملكية ومن الصحافة البريطانية التي يصفها بأنها تجسد جزءاً من الظلم الذي تعرض له هو وزوجته ميغان. علاقته بوالده، الملك تشارلز، تبدو متوترة، حيث أفادت التقارير أن الملك لم يعد يرد على مكالماته بانتظام، بينما لا يزال الأمير ويليام غاضباً من الانتقادات التي وجهها هاري وميغان إلى زوجته.

ورغم أن هاري نجح في بناء حياته الخاصة في أميركا، إلا أن البعض يعتقد أنه يعاني من العزلة. أشارت بعض المصادر إلى أنه يواجه صعوبة في التأقلم مع حياة كاليفورنيا وأنه يشعر بالغربة عن أصدقائه القدامى الذين تركهم في لندن. وبالرغم من تأكيد بعض حلفائه أن حياته الجديدة مليئة بالنشاطات والمشاريع الخيرية، إلا أن هناك من يصفه بأنه "فتى غاضب" لا يزال يسعى إلى تحقيق أهداف لم تتضح بعد.

حوالى ثلاثة من كل 10 بريطانيين لديهم نظرة إيجابية تجاه هاري مقابل 60 بالمئة يشعرون بسلبية

المستقبل في يده
مع كل هذه التحديات، يظل الأمير هاري متفائلاً بمستقبله. فهو يعيش الآن بعيداً عن ضغوط العائلة الملكية، ويعمل على مشاريع جديدة تتعلق بالصحة النفسية وتمكين المرأة. بالإضافة إلى ذلك، يخطط هاري للقيام برحلات جديدة إلى نيويورك وكولومبيا لتعزيز أعماله الخيرية وتوسيع نشاطاته المهنية. بالنسبة له، المستقبل الآن في يده، ولم يعد تحت سيطرة العائلة الملكية أو الإعلام البريطاني.

ولكن رغم كل هذا، يبقى السؤال الأهم: هل سيحقق الأمير هاري الرضا الشخصي الذي كان يسعى إليه عندما تخلى عن دوره الملكي؟ أم أن حياته الجديدة، بكل ما تتمتع به من مزايا، ستظل محاطة بالتوترات والصراعات التي لم ينجح بتجاوزها بعد؟

مشوار لم يكتمل بعد
لقد قطع الأمير هاري شوطاً طويلاً منذ أيامه في القصر الملكي. لقد تخلى عن الواجبات الملكية، وانتقل إلى حياة تتسم بالاستقلالية المالية والمشاريع الجديدة. لكن الطريق إلى الاستقرار الشخصي والمهني لا يزال طويلاً. ومع اقترابه من منتصف حياته، يبدو أن الأمير هاري لا يزال يبحث عن معنى جديد لحياته، بعيداً عن الأضواء رافقته في نشأته، ولكنه أيضاً بعيداً عن تلك الحياة البسيطة التي كان يحلم بها في يوم من الأيام!

*أعدت إيلاف المادة عن صحيفة "الغارديان" البريطانية. (التقرير الأصل)