تحول موقع معرض «إكسبو 2020» الدولي الواقع على أبواب الصحراء في إمارة دبي على مدى أسبوعين، إلى قلب نابض بدبلوماسية المناخ، لمواجهة تداعيات أكبر أخطار «تهدر» حق الإنسان بالعيش في حياة كريمة. ووصف الأمين العام التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، سيمون ستيل، مؤتمر «كوب 28» بأنه أهم «كوب» منذ مؤتمر باريس عام 2015، عندما تعهدت الدول بحصر الاحترار المناخي بأقل من درجتين مئويتين مقارنةً بمستويات الحرارة في فترة ما قبل الثورة الصناعية. وأضاف ستيل قائلاً: «نتقدم اليوم بخطوات صغيرة، بينما نتوقع خطوات عملاقة». ولعل أهم إنجاز حققه المؤتمر، إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في جلسة الافتتاح، تفعيل «صندوق الخسائر والأضرار» بقيمة 30 مليار دولار، لسد فجوة تمويل المناخ، وجمع استثمارات بقيمة 250 مليار دولار عام 2030.

وبدأت الإمارات جولة المساهمات بمبلغ 100 مليون دولار، ثم توالت الدول بالإعلان عن مساهماتها لتغطية المبلغ المطلوب. وتعتبر المساهمة الإماراتية كبيرةً مقارنة بمساهمات أقل منها لدول عظمى. وهذا مع العلم بأنها (أي الإمارات) استثمرت حتى الآن نحو 100 مليار دولار في تمويل العمل المناخي والطاقة المتجددة والنظيفة، وهي ملتزمة باستثمار 130 مليار دولار إضافية خلال السنوات السبع القادمة. وفي هذا السياق، من الضروري التأكيد على أهمية التزام الدول الكبرى بدفع المبالغ المالية كمساهمات مناخية لدعم الدول النامية.

ولذا فقد دعا معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، رئيس مؤتمر الأطراف COP28، إلى توحيد جميع الجهود في مواجهة تغير المناخ، ومؤكداً بقوله: «ملتزمون بإطلاق العنان للتمويل، لضمان عدم اضطرار الجنوب العالمي إلى الاختيار بين التنمية والعمل المناخي»، خصوصاً أنه سبق أن عجز اتفاق باريس عن تعبئة 100 مليار دولار سنوياً، ولم يتحقق منه حتى الآن سوى 83.3 مليار دولار. ومع ارتفاع وتيرة تغير المناخ، أصبح التكيف معه أكثر تكلفةً.

ووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، قد تحتاج البلدان إلى إنفاق يصل 300 مليار دولار سنوياً عام 2030، ونحو 500 مليار دولار عام 2050، أي ما يزيد بمقدار 5 إلى 10 أضعاف عن تدفقات التمويل الحالية، حيث ينفق العالم اليوم أقل من 50 مليار دولار سنوياً.

ورغم أن قيمة المساعدات الإنمائية الرسمية التي قدمتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي تضم 31 بلداً مانحاً للعالم، وصلت إلى مستوى قياسي بزيادة 28 في المئة مقارنة بما كانت عليه في عام 2019، فإن هذه المساعدات ما تزال متواضعة كنسبة مئوية من اقتصادات البلدان المانحة، إذ مثلت 0.3 في المئة على مدى خمسين عاماً الماضية.

وهو رقم بعيد جداً عن المستهدف، والمتمثل في تخصيص 0.7 في المئة على الأقل من إجمالي الدخل القومي لهذه الدول كمعونة مقدَّمة إلى البلدان الفقيرة. ولذا يشهد العالم ما أُطلق عليه «انفجار اللامساواة» مع زيادة ثراء الأثرياء وتفاقم أزمات أفقر الناس، وافتقاد مليارات البشر لأساسيات الحياة الكريمة.

ووفق دراسة لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، تقدّر تكلفة تحقيق أهداف التنمية الطموحة للأعوام السبع القادمة بنحو 50 تريليون دولار، بمعدل 7.14 تريليون دولار سنوياً. ومن المتوقع أن تمثل أغنى اقتصادات العالَم نحو 80% من هذا الإنفاق. هل يمكن تحقيق ذلك في وقت تواجه فيه هذه البلدان أعلى التكاليف السنوية للفرد وأكبر الفجوات التمويلية؟

لقد حقق المليارديرات (وفق تقرير أوكسفام) زياداتٍ غير عادية في ثرواتهم خلال سنوات وباء «كوفيد- 19»، بينما تفاقمت أزمة كلفة المعيشة منذ عام 2020، إذ استحوذ «أغنى واحد بالمئة» في العالم على 26 تريليون دولار، تمثل 63% من الثروات الجديدة، بينما ذهب 16 تريليون دولار، أي نسبة 37 في المئة، إلى بقية العالم مجتمعين.

ويتضح أن ثروة المليارديرات زادت مع الارتفاع السريع في أرباح الغذاء والطاقة، وقد ضاعفت 95 شركة أرباحَها في عام 2022، مسجلةً 306 مليارات دولار، دفعت منها 257 مليار دولار (84%) للمساهمين الأثرياء.