فتح اغتيال حسن نصرالله باب تساؤلات مشروعة تراود كل من ذاق ويلات طائفية وإجرام رؤوس ميليشيات إيران وأذرعها في الشرق الأوسط:
هل يحق للسارق أن يسرق لأجل فلسطين؟
هل يحق للقاتل أن يقتل في سبيل فلسطين؟
هل يحق لمن يزرع ويتاجر بالمخدرات أن يدعي بأن ذلك يصب في تحرير فلسطين؟
هل يحق خطف قرار الشعوب وزجها في حروب وصراعات دون التحضير أو الاستعداد لها؟
وهل يحق لمن فشل في استراتيجيته، وانكشف توغل العملاء في تنظيمه، أن يستمر على نفس النهج والمسار؟
خلط المفاهيم والمصطلحات آفة تصيب الشعوب بفعل سيطرة الغوغاء على مشهدي السياسة والإعلام، ترى الوطني مفرّطًا وخانعًا، وترى الإرهابي مجاهدًا، والمجرم مقاتلًا، والعبث العسكري مقاومة.
قُتل حسن نصرالله، فضجت مواقع التواصل الاجتماعي بنعيه، وتصويره كمحارب أسطوري، متناسين عذابات شعوب عربية عانت من ممارساته ومن ممارسات حزبه في سوريا والعراق واليمن. هل يُلغى تاريخ الرجل بسبب ادعائه مقاومة الكيان الإسرائيلي؟ وهل تُمحى آثار الدم العربي من على يديه لمجرد أنها ذات الأيادي التي أطلقت صواريخ على إسرائيل؟
تمامًا كما حاول البعض طمس مآثم قاسم سليماني إبان اغتياله على يد الولايات المتحدة، بل ذهبوا بالتمادي في إظهاره بمظهر مخلص وأمين الثورة الإسلامية، ومُعَبّد الطريق إلى القدس، دون أن يأتوا على ذكر أن هذا الطريق السرابي مر فوق جثث المئات بل الآلاف من الشعوب العربية في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
فمن قمع الأكراد في احتجاجاتهم عام 1983، وقتل العراقيين في حرب الثماني سنوات بين بغداد وطهران، هذا القتل الذي استمر بسلسلة مجازر منهجية بعد سقوط نظام صدام حسين بتماهٍ أميركي، ليكرس نفوذًا إيرانيًا تعمق داخل الدولة من خلال ميليشيات طائفية تأتمر بأمره، وتوجه سلاحها نحو الشعب العراقي لقمعه وتطويعه لخدمة ملالي طهران. ثم نقل سليماني تجربته المقيتة إلى سوريا التي عاث فيها استبدادًا وإرهابًا، وانتهاءً باليمن الذي بنا فيه من الصفر قدرات الحوثيين العسكرية والأمنية.
إقرأ أيضاً: حرب الأعمى والبصير في الشرق الأوسط
الصورة التي تحاول طهران إعادة رسمها اليوم في المنطقة، من خلال الدبلوماسية الناعمة، وتسوقها جولات وزير خارجيتها عباس عراقجي أو خطابات وكلمات رئيسها مسعود بزشكيان، لن تلغي حقيقة التاريخ القاتم لإيران وحرسها الثوري وفيلقها وميليشياتها بحق شعوب دول في الشرق الأوسط.
بالعودة إلى حسن نصرالله؛ طائفيته لم تقل عن طائفية قاسم سليماني، وممارساته العنيفة لم تقل عن ممارسات سليماني المستمدة من أيديولوجية الثورة الإيرانية العابرة لكافة ميليشيات محورها وأذرعها، وهو ما ينقلنا إلى حقيقة أن مقارعة أوروبا ليست كفاحًا، ومجابهة الولايات المتحدة ليست نضالًا، والزج بشعوب المنطقة في أتون الصراع مع إسرائيل لتحقيق أجندات ثورة الملالي ليست مقاومة.
إقرأ أيضاً: تضخيم فوز الإخوان المسلمين في الأردن
العاطفية الغوغائية العربية ترى من منظور واحد بل في الكثير من الحالات تكون عمياء، لا تدقق في خفايا الأمور، ولا تنبش عن الحقيقة. تحتمي بالدين والجهل، تبحث عن نموذج وهمي وخرافة تستر بها عورات الضعف والهوان والخنوع التي أوهمت بها الناس على مدار عقود طويلة كقيود تمنعها من الفكر والتقدم، لذلك تسعى هذه العاطفية الغوغائية دوما لتمجيد الإرهابيين والمستبدين والدكتاتوريين لمجرد أن يتبنوا خطابًا قائمًا فقط على شعارات زائفة عن تحرير فلسطين، فيتم وسمهم بالنضال. لكن في المحصلة، التاريخ هو الحكم بوعي الشعوب العربية، فلن يرحم هذه النماذج البغيضة، ولن يسمح بتكرارها مستقبلًا.
التعليقات