على مدى 45 عامًا، عانت إيران والشرق الأوسط الأوسع من التأثير السرطاني لنظام الملالي. لقد دفعت هذه الحكومة المنطقة مرارًا وتكرارًا إلى حافة الدمار.

عندما سقطت دكتاتورية الشاه، حل محلها حكم الملالي الأكثر خطورة. في البداية، احتفل الشعب الإيراني بسقوط الشاه، غير مدرك للمستقبل المظلم الذي ينتظر إيران والمنطقة والعالم. سرعان ما كشف تأسيس دكتاتورية ولاية الفقيه في عام 1979 عن طبيعتها القمعية. تم تجريد الحريات، وأصبحت الحرب أداة لقمع المعارضة. تم وصف السعي وراء الحرية بأنه جريمة، مما أدى إلى سجن وتعذيب وإعدام الآلاف. حتى الآن، قُتل أكثر من 120 ألف شخص أو تعرضوا للتعذيب والإعدام والإرهاب من قبل النظام.

إنَّ السمة المميزة لهذا النظام هي تلاعبه بالدين للحفاظ على السلطة. لقد اكتسب الخميني، مؤسس النظام، ثقة الشعب الإيراني من خلال وضع نفسه كزعيم ديني ومصدر للسلطة الأخلاقية والسياسية. ومن خلال استغلال هذه الثقة، قام الخميني وخلفاؤه بإصابة القيم الإنسانية بالاستبداد الديني، وتقسيم المجتمع بين المؤمنين وغير المؤمنين. وأولئك الذين عارضوا النظام، وخاصة ولاية الفقيه، تم وصفهم بـ "المحاربين" (أعداء الله) و"المفسدين في الأرض"، وغالبًا ما يواجهون عقوبة الإعدام

ويزدهر النظام على دماء الإيرانيين والمنطقة الأوسع. وهذا هو السبب في أن الشعب الإيراني انتفض مرارًا وتكرارًا للإطاحة بالدكتاتورية. بعد الإطاحة بنظام الشاه، يسعى الآن إلى إنهاء الدكتاتورية الدينية، عازمًا على عدم الاكتفاء بأقل من التحرير الكامل.

إن بقاء هذا النظام يعتمد على ركيزتين: القمع وإثارة الحروب. لقد ترسخت الخداع والدكتاتورية في نسيجه منذ البداية. لم تدمر حرب الخميني مع العراق المنطقة فحسب، بل بررت أيضًا القمع الوحشي للحرية في إيران. تم إسكات كل صوت معارض تحت ستار الحرب.

في 25 أيلول (سبتمبر) 2024، كرر المرشد الأعلى للنظام، علي خامنئي، أهمية الحرب الإيرانية العراقية (التي أشار إليها النظام باسم "الدفاع المقدس") في خطاب أمام الحرس الثوري والضباط العسكريين. وأعلن أن الحرب لم تكن مجرد دفاع عن الوطن، بل دفاع عن النظام نفسه. في وقت سابق، أشار خامنئي إلى الحرب الإيرانية العراقية باعتبارها "كنزًا لا ينضب"، وكان الخميني قد أطلق عليها "نعمة".

ثم قارن خامنئي الصراعات الجارية في غزة ولبنان بالحرب الإيرانية العراقية، واعتبرها جزءًا من الدفاع المقدس للنظام. منذ نشأته، لم يكن النظام في سلام مع العراق ويستمر في استخدام الحرب كأداة للحفاظ على قبضته على السلطة، ووضع نفسه إلى جانب المضطهدين في كل صراع. وذلك لأن النظام لم يتمكن قط من تحقيق الاستقرار داخليًا، حيث واجه مقاومة مستمرة منذ أولى علامات القمع. والحروب في غزة ولبنان هي نتاج مباشر لأيديولوجية النظام.

ومع تآكل الشرعية الداخلية للنظام بسبب القمع والمعارضة على نطاق واسع، فقد تحول بشكل متزايد إلى القوة العسكرية والتدخلات الإقليمية كوسيلة لإبراز القوة والحفاظ على السيطرة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. ومع ذلك، وعلى الرغم من ادعاءاته بالردع العسكري، فقد أثبتت قدرات النظام أنها أضعف بكثير مما يوحي به خطابه.

لقد أدى القضاء على قادة الوكلاء الرئيسيين، الذين عملوا كأذرع للنظام في صراعات مختلفة، إلى إضعاف قوته العسكرية بشكل كبير. كما كشفت محاولات استخدام الصواريخ بعيدة المدى والطائرات بدون طيار لاستهداف إسرائيل عن عدم كفاءة استراتيجياته الهجومية والدفاعية. لقد أصبحت البنية التحتية العسكرية للنظام، بعيدًا عن كونها رادعًا كما يدعي، نقطة ضعف.

حتى أنصار النظام يعترفون بهذه نقاط الضعف. يعتقد الكثيرون أن دعوة خامنئي الأخيرة لقادة الحرس الثوري الإيراني إلى "الصبر الاستراتيجي" تعكس فهمًا للموقف العسكري المتدهور للنظام. كما أشار كبار المسؤولين الأمنيين، بما في ذلك وزراء الاستخبارات السابقون، إلى قضايا خطيرة تتعلق بالتسلل داخل الهياكل العسكرية والأمنية الإيرانية. تُظهر الهجمات الإلكترونية وسرقة المعلومات والتخريب المتكرر في المواقع الحساسة نقاط الضعف الحرجة في جهاز الأمن القومي للنظام.

إقرأ أيضاً: تصاعد الإعدامات في إيران: صمت المجتمع الدولي وتشديد القمع

إنَّ هذه الإخفاقات العسكرية لا تكشف عن هشاشة النظام في ساحة المعركة فحسب، بل إنها تؤدي أيضًا إلى تفاقم شرعيته المتآكلة في الداخل. وفي ظل عجز النظام عن تأمين الانتصارات في الخارج، أصبحت نقاط الضعف الداخلية للنظام ـ مثل انعدام الثقة العامة والمعارضة المتزايدة ـ أكثر وضوحًا. فقد جردت الاحتجاجات التي عمت البلاد في عام 2022، والتي أشعلتها حالة من السخط الواسع النطاق، النظام من قدر كبير من دعمه الشعبي، وتركته بدون الدعم المجتمعي اللازم للمشاركة العسكرية المستدامة. ويدرك النظام أن أي مواجهة عسكرية مباشرة مع قوة أجنبية تتطلب ثقة عامة ودعما مجتمعيا واسع النطاق، وكلاهما فقده إلى حد كبير. وبدون هذه العناصر، قد يؤدي العمل العسكري إلى تراجع حاد في شرعيته المتبقية ويشكل تهديدًا وجوديًا للنظام. وفي ظل هذه المعضلة، يسعى النظام الآن إلى تجنب المواجهة المباشرة في حين يحاول التنقل عبر شبكة معقدة من العقوبات الغربية والاضطرابات الداخلية. وفي ظل هذا الجمود الاستراتيجي، يظل مستقبله غير مؤكد، مع خطر الانهيار الذي يلوح في الأفق إذا استمرت إخفاقاته العسكرية والمحلية في التصاعد.

لجنة الأبحاث الدفاعية والاستراتيجية للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، في بيان صدر في 14 تشرين الأول (أكتوبر)، أعلنت بشأن "أمر خامنئي باستكمال وتسريع إنتاج السلاح النووي لضمان بقاء النظام»، ما يلي: «بالتزامن مع تولي بزشكيان، أمر خامنئي الحرس الثوري بإكمال وتسريع مشروع تصنيع القنبلة النووية. جميع التمهيدات في مجلس الشورى وعروض صلاة الجمعة ومواقف الخبراء ومسؤولي جناح النظام السائد تأتي في هذا السياق".

إقرأ أيضاً: شعلة الانتفاضة والحرية: رواية ممرضة عن انتفاضة 2022

خامنئي، باعتباره صانع القرار الرئيسي في نظام ولاية الفقيه، يدرك تمامًا نهاية نظامه، ولذلك لجأ كحل أخير إلى تصنيع القنبلة النووية. لكنه مخطئ بشكل كبير. فقد كان شعار الشعب الإيراني في الاحتجاجات الواسعة التي جرت في الأعوام 2017 و2019 و2022 هو: «بالنووي أو بدونه، مطلبنا هو إسقاط النظام». الشعب الإيراني يطالب بإسقاط النظام الديني المستبد بالكامل وإقامة جمهورية ديمقراطية.

في الوقت الحالي، جميع التجمعات والمظاهرات التي تُنظَّم ضد النظام الحاكم داخل إيران أو خارجها، يرفعون شعارهم المحوري "الموت للظالم، سواء كان شاهًا أو قائدًا". ويعلن المحتجون رفضهم لأي نوع من الأنظمة المستبدة، سواء "الشاه أو ولاية الفقيه"، بشعار "لا نريد الشاه ولا الملالي".