"إذا أردت أن تعرف حقيقة رجل ما.. أعطه مالاً وسُلطة" - إبراهام لينكولن


‏كتب الله عز وجل على الدنيا أنها متغيرة في أحوالها وليست ثابتة دائماً على وجهٍ واحد. تبدل واختلاف أحوال الدنيا لا يقتنع به ولا يؤمن به ولا يحسب حسابه إلا العقلاء الحُكماء من الناس. وكما يقال في المثل الشعبي: "الدنيا دوّارة".

‏إنَّ من أسوأ أصناف الناس هو ذلك الصنف الذي سرعان ما يتبدل ويتكبر ويتعالى على أقاربه وأصدقائه ومعارفه وبقية الناس بسبب وصوله إلى كرسي منصب مهم، أو بسبب تغيّر حالته المالية إلى الثراء. يقول أحدهم: "السُلطة والمال لا تُغير الرجال، هي فقط تظهرهم على حقيقتهم".

يقول عطالله بن عبيّد الشيباني:

ترى الجاه والأموال نعمة وفحص أخلاق

‏ومصير الليال المقبلة عنك منتحية

‏وترى كرسي المنصب مثل كرسي الحلاق

‏ممرٍ تبيّن فيه ويش انت من لحية!

وهناك حكاية رائعة عن تبدل أحوال الدنيا، وهي أن وائل بن حجر بن ربيعة بن وائل الحضرمي كان أحد ملوك اليمن، فأراد إرسال الوفود إلى رسول الله في العام الثامن للهجرة. ففرح الرسول بذلك وبشر أصحابه قبل أن يصل وائل، حيث قال لهم: "يأتيكم بقية أبناء الملوك". فلما وصل وائل، استقبله النبي، ورحب به، وابتسم في وجهه، وأجلسه على ردائه، ودعا له فقال: "اللهم بارك في وائل وولده وولد ولده". وأكرم الرسول وائلاً بأمور كثيرة، كان منها أن أقطعه أرضاً، فأرسل معه معاوية بن أبي سفيان لكي يوصله إلى تلك الأرض. فخرج معاوية يسير على قدميه حافياً خلف وائل وهو راكب بعيره، فاشتكى معاوية لوائل حر الشمس ووعورة الدرب وحدة الصخور. فقال وائل: "انتعل ظل الناقة!" فقال معاوية: "وما يغني عني ذلك؟ لو جعلتني ردفاً". فقال له وائل: "اسكت فلست من أرداف الملوك". فمضت السنين، ودارت الأيام، واختلفت الليالي، وعاش وائل حتى أصبح معاوية ملكاً من ملوك الدنيا وأميراً للمؤمنين. فوفد يوماً من الأيام على معاوية في الشام، فعرفه معاوية، فرحب به وقرّبه وأدناه، وأجلسه معه على سرير الملك، وذكره بتلك الحادثة يوم أن قال وائل له: "لست رديفاً للملوك". وعرض عليه معاوية هدية كبيرة، فأبى أن يأخذها وائل وقال لمعاوية: "أعطها لمن هو أحوج إليها مني". فقص وائل هذا كله على جلسائه ذات يوم، وقال لهم: "وددت أني كنت حملته بين يدي".

‏في الحقيقة، لو أننا ‏أمعنا النظر ودققنا الفكر وتأملنا في عمق المسألة، لوجدنا أن ذوي الأرواح الطيبة والأخلاق الجميلة لا يتعالون ولا يتكبرون على الناس، ولا يتفاخرون بمناصبهم أو بأموالهم. وإن قدموا لأحد معروفاً فإنهم لا يتحدثون به. "إنّ كلّ فضيلة تُدمر ذاتها إذا خلت من التواضع".

يقول الشاعر عبد الله الطلحي:

إحذر تغش الناس لو كان غشوك

‏غادر بصمت وخل خاطرك صافي

‏والدرب خله سمح لا تزرعه شوك

‏يمكن يجيبك يوم.. وتمر حافي

في نهاية السطور، أقول لأولئك المنتفخين على كراسيهم كانتفاخ مناطيد السماء السياحية: أين المفرّ؟ فمهما مضت السنوات بجلوسكم على كراسيكم، فإنكم سوف تتركونها غير مأسوف عليكم رغماً عنكم. وسوف تعيشون ما تبقى لكم من عُمر بسيرة خالية من "ونعم الرجل، وبيّض الله وجهه". وهذا لأن صنفكم السيئ لم يكن يحسب أي حساب ليوم إبعادكم عن الكراسي وجلوسكم في المنزل.