مع مرور أكثر من عام على حرب غزة يبرز هاجس الفقر بشكل كبير، في وقت أصبح فيه كل سكان القطاع ينتمون إلى طبقة الفقر، إذ تحاول الأمم المتحدة القضاء على الفقر في العالم عبر "اليوم العالمي للقضاء على الفقر" الذي يصادف في 17 أكتوبر/تشرين الأول.
وعرّفت الأمم المتحدة الفقر بأنه أكثر من مجرد الافتقار إلى الدخل أو الموارد أو ضمان مصدر رزق مستدام، إذ تشمل مظاهره الجوع وسوء التغذية وانحسار إمكانية الحصول على التعليم والخدمات الأساسية، إضافة الى التمييز الاجتماعي والاستبعاد من المجتمع وانعدام فرص المشاركة في اتخاذ القرارات.
وكشف تقرير صدر عن البنك الدولي بعنوان: "التحديث الاقتصادي الفلسطيني"، أن "كل سكان قطاع غزة يعانون الفقر مع بلوغ نسبته حاجز المئة في المئة، بعد 11 شهراً من حرب قطاع غزة".
وأوضح البنك الدولي، أن "الحرب تسببت في نزوح نحو مليوني إنسان، وأن التضخم تجاوز 250 في المئة"، بسبب تبعات الحرب بين إسرائيل وحماس المستمرة على القطاع منذ عام.
"أُسرٌ بلا دخل"
ذكر البنك في تقريره أن "الأراضي الفلسطينية شهدت انخفاضاً بنسبة 35 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الربع الأول 2024، وهو الأكبر على الإطلاق".
وقال: "انكمش اقتصاد غزة بنسبة 86 في المئة خلال هذه الفترة، بينما انكمش اقتصاد الضفة الغربية المحتلة بنسبة 25 في المئة. وبلغت البطالة في الأراضي الفلسطينية مستويات قياسية وتجاوزت 50 في المئة".
وتوقع البنك تفاقم فجوة التمويل لدى السلطة الفلسطينية، "ومن المتوقع أن تصل إلى ملياري دولار في 2024 (أي ثلاثة أضعاف الفجوة في 2023)، ما يشكل مخاطر جسيمة على تقديم الخدمات، وقد يؤدي إلى انهيار نظامي".
وأدى توقف العمليات التجارية في غزة إلى ترك الأسر بلا دخل، في وقت ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل كبير، مع تجاوز نسبة التضخم حاجز 250 في المئة، بحسب التقرير.
وتابع: "انهار النظام التعليمي في غزة، وتضرر النظام الصحي بشكل كبير، إذ لم تعد 80% من مراكز الرعاية الأولية تعمل .. ونسبة الفقر بلغت 100%، بينما ارتفعت بالضفة الغربية من 12% إلى 28%".
وأكد أن "الصراع أدى إلى نقص حاد في النقد في غزة، ما أثر في الوصول إلى المساعدات الإنسانية والخدمات المالية الأساسية".
موضوع عام 2024: إنهاء سوء المعاملة الاجتماعية
وتناول موضوع عام 2024 لليوم العالمي، إنهاء سوء المعاملة الاجتماعية والمؤسسية والعمل معاً من أجل إنشاء مجتمعات عادلة ومسالمة وشاملة للجميع.
وقالت الأمم المتحدة: "إن الفقر ذو أبعاد متعددة، بعضها مرئي وبعضها خفي، ولكنها مترابطة. والغاية من موضوع هذا العام هي إبراز أحد أبعاد الفقر الخفية، وهو سوء المعاملة الاجتماعية والمؤسسية التي يعاني منها أولئك الذين يعيشون في فقر، كما سيدرس طرق العمل معاً من أجل تحقيق الهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة لتعزيز المجتمعات العادلة والمسالمة والشاملة للجميع".
وتضيف أنه "غنيٌّ عن القول إن الأشخاص الذين يعيشون في فقر يواجهون مواقف سلبية، فهم يتعرضون للوصم والتمييز، والحكم عليهم - على سبيل المثال من مظهرهم أو لهجتهم أو عنوانهم - أو افتقارهم إليه، ولومهم على وضعهم المادي، ومعاملتهم بقلة احترام".
الفقر وأهداف التنمية المستدامة
وتعتبر الأمم المتحدة القضاء على الفقر بجميع أشكاله من أولويات الأهداف السبعة عشر لخطة التنمية المستدامة لعام 2030.
وللفقر أبعاد عديدة، بحسب الأمم المتحدة، ولكن أسبابه تشمل البطالة، والإقصاء الاجتماعي، والتعرض الشديد لبعض السكان للكوارث والأمراض وغيرها من الظواهر التي تمنعهم من الإنتاج.
الهدف الرئيس لأهداف التنمية المستدامة في سبيل محاربة الفقر هو "كفالة حشد موارد كبيرة من مصادر متنوعة، بما في ذلك عن طريق التعاون الإنمائي المعزّز، من أجل تزويد البلدان النامية، ولا سيما أقل البلدان نمواً".
تهدف أهداف التنمية المستدامة أيضاً إلى إنشاء أطر سياسية سليمة على المستويين الوطني والإقليمي، وتستند على استراتيجيات إنمائية لضمان تمتّع جميع الرجال والنساء، ولا سيما الفقراء والضعفاء منهم، بنفس الحقوق في الحصول على الموارد الاقتصادية، وكذلك حصولهم على الخدمات الأساسية.
ووفق الأمم المتحدة، لا يزال الملايين الذين يعيشون في فقر مدقع يمثلون عاراً أخلاقياً، في عالم يتسم بمستوى لم يسبق له مثيل من التنمية الاقتصادية والوسائل التكنولوجية والموارد المالية. فالفقر ليس مسألة اقتصادية فحسب، بل هو ظاهرة متعددة الأبعاد تشمل نقص كل من الدخل والقدرات الأساسية للعيش بكرامة.
ويعاني الأشخاص الذين يعيشون في فقرٍ أشكالَ حرمانٍ متعددةً ومترابطةً ومتعاضدة، تمنعهم من إعمال حقوقهم وتُديم فقرهم؛ بما فيها: ظروف العمل الخطيرة، غياب الإسكان المأمون، غياب الطعام المغذي، ووجود تفاوت في إتاحة الوصول إلى العدالة.
تاريخ اليوم العالمي للقضاء على الفقر
ويرجع تاريخ الاحتفال بهذا اليوم إلى يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر من عام 1987.
ففي ذلك اليوم اجتمع ما يزيد على مئة ألف شخص تكريماً لضحايا الفقر المدقع والعنف والجوع، وذلك في ساحة تروكاديرو بباريس، التي وقِّع بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948. وقد أعلنوا أن الفقر يُشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان وأكدوا الحاجة إلى التضافر بغية كفالة احترام تلك الحقوق.
وقد نُقشت تلك الآراء على النصب التذكاري الذي رُفع عنه الستار ذلك اليوم. ومنذئذ، يتجمع كل عام في السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر أفراد من شتى المعتقدات والأصول الاجتماعية لإعلان التزامهم من جديد إزاء الفقراء والإعراب عن تضامنهم معهم.
وقد رفع الستار عن نماذج للنصب التذكاري في شتى أرجاء العالم، حيث تمثل تلك النماذج نقطة تجمع للاحتفال بذلك اليوم. وهناك واحد من تلك النماذج في حديقة مقر الأمم المتحدة وهو موقع الاحتفال السنوي بهذه الذكرى الذي تنظمه الأمانة العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
ومن خلال القرار 47/196 المؤرخ 22 كانون الثاني/يناير 1992، أعلنت الجمعية العامة، السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر اليوم الدولي للقضاء على الفقر، ودعت الدول إلى تخصيص ذلك اليوم للاضطلاع، حسب الاقتضاء، على الصعيد الوطني، بأنشطة محددة في مجال القضاء على الفقر والعوز، وللترويج لتلك الأنشطة.
ودعا كذلك القرار، المنظمات الحكومية الدولية وغير الحكومية إلى مساعدة الدول على تنظيم أنشطة وطنية احتفالاً باليوم، لدى طلبها ذلك. وطلب الأمين العام أن يتخذ ما يلزم من تدابير، في حدود الموارد المتاحة، لضمان نجاح احتفال الأمم المتحدة باليوم الدولي للقضاء على الفقر.
التعليقات