قال صاحب الجلالة:

«إن الإصلاح هو المشروع الذي لم ولن نحيد عنه، فهو إيمان وإرادة بيننا وبين شعبنا، توكلنا فيه على الله بالعمل والفعل، للمضي بهذه المسيرة الوطنية المباركة والدفع بعجلتها للأمام، في ظل التدرج الطبيعي لدورة الحياة وتطور الشعوب والأمم».

كلمات واضحة لا تقبل الشك ولا التأويل.. كلمات أكدت على أن المسيرة الديمقراطية مسألة التزام وتتطلب من أجل تحقيقها سياسة التدرج؛ لأن سياسة حرق المراحل والقفز عليها أو استغلال الظروف نتائجها الدمار الذي يعطل عجلة البناء والتنمية والاقتصاد، ومن هنا نبدأ...

نبدأ بالإشارة إلى أن عقارب الساعة لا تعود للوراء، إلا في حالات خاصة عندما تستعيد مواقفًا وأحداثًا شكلت علامات بارزة في التاريخ. وتاريخ البحرين.. أرض الخلود، حافل بالمواقف والأحداث والعلامات التي أعادت التاريخ للوراء كالميثاق الوطني الذي كان رؤية ملك من أجل وطن جميل وشعب رائع يعيش أفراح أعياده الوطنية بكل فخر واعتزاز.. رؤية حملت معها روحًا من الحب والطمأنينة والأمل والثقة في المستقبل وأن القادم أجمل.

ان الرؤية الملكية التي تعيشها البحرين وشعبها الرائع.. وتحتفل بها كل عام.. رؤية غير مسبوقة من قائد وسياسي حكيم ملهم عرف كيف يتعامل مع الظروف والأحداث المحيطة ببلاده، كما عرف ماذا يقدم لشعبه من مبادرات وحلول في الوقت المناسب.

من هنا كانت العلامة.. من أرض دلمون.. أرض التاريخ والحضارة. وبعيدًا عن المخاوف المحيطة بالجزيرة النائمة على مياه الخليج العربي وغطتها رماله الساخنة والتي استكملت استقلالها بعد أن جمعت خيوط الأزمة التي مرت بها واستطاعت أن تسير بها إلى بر الأمان على الرغم من انها كانت محاطة بتهديدات متعددة من دول الإقليم الشمالي للخليج العربي التي شكلت كلتاهما أكبر قوة عسكرية في المنطقة بعد إعلان بريطانيا الانسحاب إلى شرق السويس عام 1968، حيث كان العراق يعيش حالة من النشوى السياسية العارمة بعد عملية السلام المصرية الإسرائيلية التي أعطت للرئيس صدام حسين تصورًا بأن قيادة الأمة العربية أصبحت في يده، أما إيران أو بوليس الخليج فكانت هي الأخرى حليفًا عسكريًا وأمنيًا للولايات المتحدة التي بدأت تدخل المنطقة بديلًا عن بريطانيا، كما كان احتلال الجزر الإماراتية الثلاث في عام 1970 قبل استكمال استقلال البحرين واستقلال دولة قطر وقيام الاتحاد السباعي من أسباب إعطاء دولة الخميني الإسلامية شعورًا بالقوة والهيمنة والدور السياسي والأمني، خاصة بعد انتهاء الحرب مع العراق وسقوط النظام البعثي وقيام النظام الموالي قلبًا وغالبًا لطهران، لتصبح إدارة الأزمة في بدايات العهد الجديد أكثر تعقيدًا، إلا أن القائد الملهم عرف كيف يتعامل مع جميع التطورات والأحداث.

لقد مرَّت البحرين بعدد من المحطات التي تعاملت القيادة معها بمسؤولية وحكمة مما يدل على استشراق عميق للمستقبل والفكر والإحساس تحت عنوان لا بديل عنه هو اسم البحرين الذي ارتفع عاليًا على سارية الأمم المتحدة اعلانًا عالميًا بعضوية البحرين في الأمم المتحدة عام 1971، فأصبحت منارة وأصبحت خطواتها ورؤية قيادتها نموذجًا لا يتكرر في التاريخ.. نموذجًا زاخرًا بالعطاء والنهضة الشاملة في المجتمع البحريني وفي علاقاتها مع الدول الأعضاء في المنظمة الدولية.

إن تشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق في أحداث 2011 محطة مهمة في تاريخ البحرين الحديث وتشكيلها من شخصيات مشهود لها بالسمعة الدولية والخبرة الواسعة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والتي منحت كامل الحق في الوصول لكل المؤسسات والأفراد خلال فترة عملها دون قيود، وقد اشتمل تنفيذ توصياتها على خمسة محاور هي: إصلاح القطاع الأمني والقضاء والسياسة الاجتماعية والتعليم والإعلام والمحاسبة على الانتهاكات والمصالحة الوطنية.

... أكد أمرين:

الأول: أننا أمام قيادة ذات رؤية حكيمة وثقة عالية، قدمت صورًا جميلة وحضارية للبحرين وقيادتها وشعبها أمام العالم وأكدت على النهج السامي في الشفافية والحرص على مكتسبات الوطن.

ثانيًا: كان عام 2011 من الاعوام الصعبة في مسيرة الملك الملهم.. ولكن وعلى الرغم من حساسية الوضع المتشابك داخليًا وخارجيًا وأهمية الحفاظ على سيادة المملكة والعبور بها وبمواطنيها إلى الأمن والاستقرار من خلال عدد من الإجراءات والقرارات المتزنة التي راعت الظروف السياسية والأمنية، فقد كان لقيادة الأمة رؤية خاصة تمكنت من وضع الأمور في نصابها لأنها عملت على ترسيخ ارتباط الإنسان البحريني بأرضه وهويته وعروبته وإنجازاته وكأن التاريخ يعيد نفسه عند بدء مسيرة استكمال الاستقلال منذ عام 1968 عندما تشكلت لجنة «ونسبير» لتقصى رغبات شعب البحرين لإنهاء المطالب غير المشروعة لإيران ودور الإنسان البحريني في تثبيت عروبته وانتمائه وولائه لقيادته وتعزيز مكتسباته الوطنية.

لذلك كانت رؤية القائد الملهم الحرص على تعميق التشاور وتبادل الرأي الذي عرفت به البحرين منذ أقدم العصور، التي تمكنت من تحديد المعالم الرئيسية للعمل الوطني لتحقيق أهم ركيزة في مسيرة التنمية والبناء وهي وضع «ميثاق العمل الوطني» الذي كان ولم يزل مرجعًا ووثيقة للعهد وأساس العقد الاجتماعي في مسيرة البحرين الوطنية.

إن ثقة القائد الملهم بمواطنيه كانت وراء التفويض المُعبر عن الإجماع الوطني لمسيرة الخير التي بدأت طريقها بالانفتاح وفتح الأبواب للجميع داخل وخارج البحرين في لحظة تاريخية غير مسبوقة ومشاركة الجميع وبدون استثناء لتحديد المسار الوطني نحو الديمقراطية وعودة الحياة النيابية في ظل الدستور والنظام الديمقراطي الذي ارتضاه المواطن البحريني. وانطلاقًا من تلك الإنجازات التي رسخها القائد، أصبحت البحرين عصيةً على كل الأزمات ودرعًا منيعة أمام كل الأخطار والتحديات لتبقى وهي تحتفل اليوم بالعيد الوطني منارةً شامخةً ومركزًا للتعايش والتسامح والانفتاح الحضاري الذي رسخته القيادة الملهمة نهجًا للأجيال القادمة لمواصلة البناء نحو وطن كالنجم المشع بالأمل والتطلعات.

فإلى القيادة والقائد الملهم وولي عهده الأمين وشعب البحرين العظيم، أجمل تحية، بمناسبة العيد الوطني المجيد.

وأسال الله أن يدوم لنا هذا الوطن العريق وقيادته الذي يجعلنا جميعًا نشعر بفخر الانتماء له، ونتذكر في هذا اليوم كل الجهود الرائعة المشرفة، التي نهضت بالمملكة ورفعت راياتها في كل المحافل الدولية. كما نتذكر ونفتخر بشهدائنا الذين قدموا أرواحهم ودماءهم فداءً للوطن.