بعد كل هذا التربص، وكل تلك العيون، التي كانت تحاول الإمساك بغلطة، لتحيل الحبة إلى قبة، انتهي مساء أمس الأول مهرجان (الجونة) في دورته التي حملت رقم (6) وصاحبتها صفة الاستثناء، وشهدت قدرًا لا ينكر وغير مبرر من التجاهل الإعلامي.

قدمت الحفل الختامي الإعلامية المصرية ناردين فرج، التي فاجأتني بحضورها، وتلقائيتها واستيعابها لكل التفاصيل، بدون حتى النظر إلى الورقة.

المهرجان- خلال فعالياته- كان يبدو أنه يريد في كل لقطة أن ينفي عن نفسه تهمة، صارت تلاحق الكثيرين وهي اللامبالاة، بما يجرى على حدودنا الشرقية، ظل هذا الإحساس، مسيطرا، على القسط الأكبر من المسؤولين وعلى عدد من الضيوف، الذين أيضا كان يبدو بعضهم وكأنهم حريصون، على نفي تورطهم في المشاركة في حدث ثقافي.

أتصور أن (جرعة) الحساسية زاد منسوبها أكثر مما ينبغي، وأكبر دليل على ذلك من الممكن أن تجده في غياب أغلب الفضائيات والمواقع الصحفية والمرئية عن التغطية، وكأنها، تخشى التورط في ذيوعه، الخارج عن السياق العام.

ورغم ذلك لم يستسلم المهرجان للأصوات الرافضة لعودة الحياة الثقافية والفنية والترفيهية، إلا أنه في كل لحظة، كان يعمل لها ألف حساب، وكلما فتحنا أمامهم صفحات التاريخ، التي تؤكد أن مصر حتى بعد هزيمة 67، التي، تشكل أقصى وأقسى ألم عاشه المصريون، لم توقف حتى النكتة، ولم تصادر الأفلام والمسرحيات الكوميدية، ولم تمنع (الكاريكاتير)، والقيادة السياسية ممثلة في الرئيس جمال عبدالناصر، مؤكد هي التي غيرت توجه المؤشر، ولو كان لديه رأى آخر، لأصدر قرارا باستمرار الحداد، حتى النصر.

التوقيت المزمع لإقامة المهرجان تأخر نحو شهرين، عن الموعد الأول 13 أكتوبر، وهذه المدة كفيلة جدا بتغيير كل الجداول، التي سبق إقرارها، كما أن الاقتراب، من نهاية العام، عادة يجعلنا جميعا لا شعوريا نترقب مطلع 2024، ولا ننتظر ما تسفر عنه الأيام المتبقية في 2023، فهي كما تبدو تحصيل حاصل.

بينما المهرجان على الجانب الآخر، بعد أن توقف في 2022- لأسباب خاصة- عن إقامة الدورة وجد لديه أكثر من دافع حتى لا تفوته أيضا الأيام الأخيرة من 2023، لأنه كان سيحسب عليه غيابه عامين.

ما رأيناه من نتاج سواء من أفلام أو فنانين، هو ما تبقى صادما بالقطع بعد أن تأجل المهرجان عن موعده مرتين، والتأجيل الثاني تم قبل بداية المهرجان فقط بأربعة أيام، مما يلقى قطعا بظلال سلبية على كل التفاصيل التالية.

أقيمت الدورة، وعرضت أفلاما هامة، عربيا وعالميا، وفقد المهرجان أفلاما أخرى، وحضر نجوم من العالم العربي وتحديدا فلسطين واعتذر آخرون، ولهم قطعا أسبابهم المنطقية.

لعب المناخ دورا سلبيا، لدرجة أنه كثيرا ما كانت توزع بطاطين لتدفئة الحاضرين، خفت حضور الجمهور، الذي كان يمنح المهرجان ملمحًا خاصًا، إنه المؤشر الحقيقي الذي يكتسب بعده المهرجان صفة مهرجان.

وتبقى قطعا أهمية هذا الحدث في إقامته، فهو يحمل رسالة في فن إدارة الأزمة، كما أنه كشف مجددا عن المأزق الذي تعيشه السينما المصرية، التي تبحث عن فيلم يمثلها ويرفع اسمها ولا تجد، إلا أفلاما (تُمثل) بها، أمام ضيوف المهرجان.

إنها حكاية حزينة بل مأساوية، تستحق أن نتوقف عندها في مساحة قادمة، نفندها ولا نخشى الأشواك!!