انشغل العالم بجرائم إسرائيل في غزة عن مراقبة ما يحدث في الضفة الغربية من مجازر، وكأن إسرائيل قد استغلت أحداث السابع من أكتوبر والتطورات في غزة لتمعن بالقتل في سكان الضفة الغربية، بينما تقف أمريكا لحماية إسرائيل من أي قرار يدينها، أو يمنعها من الاستمرار في هذا العدوان الغاشم.

ومن نجا من القتل في الضفة الغربية، فإن زنزانات العدو بانتظاره سجيناً دون محاكمة، ليقضي بقية عمره في سجون إسرائيل المظلمة، ويُغيب سجانه أي معلومات للعالم عن طبيعة الحياة في السجون الإسرائيلية، وما يلقونه من عذاب، ومعاناة، ومعاملة غير إنسانية دون أن يُسمح لهيئات حقوق الإنسان في زيارات تفقدية لهم.

في أقل من شهرين تم الزج بالأحرار من السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية في سجون إسرائيل، وقد تجاوز عددهم أكثر من ثلاثة آلاف سجين، ولا يزال الرقم في تصاعد، ليضاف إلى ستة آلاف سجين يقبعون من قبل في السجون قبل طوفان الأقصى، ليصل العدد إلى ما يقارب عشرة آلاف سجين، وهي أرقام لا يوجد ما يماثلها من السجناء في أي دولة بالعالم.

وبين هؤلاء السجناء نساء وأطفال وكبار سن، مصابون وغير مصابين، بعضهم يقضي في السجن منذ عقود، محروماً من حقوقه الإنسانية، ومن حقه في الحياة الكريمة، ويمنع عنه الدواء والغذاء الصحي، ولا يُسمح له بتلقي العلاج حتى ولو ساءت حالته الصحية، ما جعل بعض السجناء يموتون في سجونهم، أو يضطرون مع قسوة المعاملة إلى الإضراب عن الطعام.

حتى من لم يتعرض لإصابة أو عاهة بسبب العدوان، ومن لم يؤخذ إلى السجن لقضاء بقية حياته فيه، فإنه يلاقي الأمرين، ولا يأمن الراحة لا في ليل ولا في نهار، فالمداهمات مستمرة، وطبول الحرب لا تتوقف، والاذلال جزء ممنهج من سياسة العدو الإسرائيلي، ومطالب الفلسطينيين، ومعاملتهم غير الكريمة، وسياسته العنصرية هي ما تفعله إسرائيل الدولة الديمقراطية بامتياز كما تصنفها أمريكا والغرب خلافاً للواقع.

تُرى إلى متى يستمر هذا الوضع غير الإنساني أمام المشاهد الدامية، والحقائق المثبتة، وحيث تُسمع صرخات النساء والأطفال وكبار السن ممن لا حيلة لديهم في مقاومة الاحتلال، وكيف يرضى العالم بمثل هذا التسلط الذي لا سابق له، بما فيها الدول التي كانت ترزح تحت قبضة الاستعمار وجبروته وممارساته القبيحة؟

وفي غزة ليس أمام إسرائيل إلا الإمعان في قتل المدنيين، انتقاماً لما تلقته بجيشها واستخباراتها وحكومتها المتطرفة من هزيمة نكراء في السابع من أكتوبر الماضي، مع ما تلقاه جيشها أيضاً من إصابات وقتلى بالمئات، بحسب بيانات تل أبيب الرسمية، وهي وفق مصادر حماس أكثر وأكبر من ذلك بكثير، ولكن العدو لا يريد أن يُظهر أن جيشه الذي كان يطلق عليه الجيش الذي لا يهزم ولا يقهر قد هزم وأذل، بما لا يمكن تحسين صورته فيما بعد.

وكل أهداف إسرائيل في منع إقامة الدولة الفلسطينية، وما تنوي عمله باحتلال قطاع غزة، لن ينهي عزم وحزم أصحاب الحق في مواصلة الدفاع عن حقوقهم، وتصميمهم على جعل إسرائيل بين فوهات براكين من نيران الفلسطينيين إلى أن يرحلوا من أراضيهم، ويقيموا عليها دولتهم الحرة المستقلة، وعاصمتها القدس على حدود 1967م كأقل ما يقبلون به من مجمل أراضي فلسطين قبل الاحتلال البغيض.

وعلى العالم أن يعيد النظر في مواقفه الداعمة للاحتلال، وعلى أمريكا تحديداً التخلي عن ازدواجية المعايير في تعاملها مع قضايا الشعوب، وخاصة الشعب الفلسطيني، وأن تتخلى عن دعم العدوان، وتبريره، كما هو موقفها من الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه، فأمريكا دولة كبرى، ولها نفوذها على إسرائيل، ويمكنها أن تكون وسيطاً نزيهاً ومؤثراً، في إيجاد حل عادل من خلال طاولة الحوار، أخذاً بالاعتبار المبادرة العربية، واتفاق أوسلو، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، بدلاً من موقفها المنحاز والظالم لعدو يحتل الأراضي الفلسطينية.