ما من شك أن إسرائيل بخطوة اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، في بيروت، تريد توسيع دائرة الصراع أكثر، إذ يبدو أن غايتها من تلك الخطوة إدخال أطراف أخرى في الحرب من أجل الوصول إلى النقطة التي تتخلص فيها تل أبيب من كل أعدائها، سواء حماس بالحرب المستمرة حتى الآن، وبحركة الاغتيالات في كل مكان خارج القطاع، أو حزب الله. مسألة التخلص من حماس بسياسة الأرض المحروقة بدأتها فعلًا إسرائيل من بعد السابع من أكتوبر، بهذه الحرب الواسعة على القطاع. أما خطوة اغتيال العاروري فقد أقدمت عليها إسرائيل لنقل الحرب إلى مرحلة أخرى أشمل وأعم.

البعض يتحدث عن محاولة توريط الإدارة الأميركية في حرب إقليمية، بهدف التخلص مما يسميه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «الخطر الوجودي والاستراتيجي»، الذي يمثله «حزب الله» في لبنان. وجهة النظر تلك لها ما يفسرها، فمنذ اليوم الأول من الحرب تحاول إسرائيل أن تجر أميركا إلى أرض الصراع، وظهر ذلك تمامًا في تصوير بنيامين نتنياهو حجم الهجوم الذي شنته حماس في لقاءاته الأولي مع جو بايدن، الرئيس الأميركي، من أن رجال حماس قاموا بذبح الأطفال، وهي المعلومة التي نقلها بايدن إلى الإعلام، واعتذر عنها البيت الأبيض فيما بعد، قائلًا إنه اعتمد على حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي للرئيس الأميركي.

منذ اللحظة الأولى أيضًا، قررت الولايات المتحدة الأميركية إرسال مساعداتها إلى إسرائيل بشكل واضح، فأرسلت حاملتي الطائرات «جيرالد فورد» و«يو إس إس أيزنهاور» إلى المنطقة، مع بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في رسالة دعم لإسرائيل وأيضًا لردع أي دولة أو جهة غير حكومية تسعى إلى تصعيد الحرب، وفق تصريحات وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، كما قررت إرسال إمدادات وأسلحة، إلى الحد الذي أغضب الكثير من السياسيين الأميركيين، وهو ما جعل الإدارة الأميركية تستجيب لبعض الضغوط وتسحب إحدى حاملات الطائرات من «المتوسط».

وأعتقد أن وقت عملية اغتيال العاروري كان دالًّا جدًّا لاستفزاز حزب الله، ومن ثَمَّ جعله يشتبك مع إسرائيل بشكل أكبر، كون العملية ارتُكبت في داخل الأراضي اللبنانية، وهو ما سيحفز أميركا للدخول مرة أخرى في دائرة الصراع مع إيران الداعم الأهم لحزب الله.

تدرك إسرائيل جيدًا أن القوات الأميركية المتواجدة في المنطقة تعمل باستمرار على تقييد قدرات حزب الله، باعتباره الحليف الأهم لطهران في المنطقة، وهذا ما تريد إسرائيل استغلاله، إلا أن بعض التقارير الصحفية التي نُشرت في الأيام السابقة عن عملية اغتيال العاروري تؤكد أن بايدن حض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على التراجع عن ضربة استباقية ضد «حزب الله»، وهو أمر ولا شك أغضب نتنياهو، الذي ربما يكون مخرجه الوحيد من هذه الحرب هو الوصول إلى نقطة «زيرو تهديد»، وأظن أنه بأفعاله تلك لن يصل إليها، بل سوف يستمر في تأجيج الصراع أكثر، والوصول إلى نقطة فلتان الأوضاع.