رفعت جنوب أفريقيا بشجاعة كبيرة دعوى ضد إسرائيل يوم 29 ديسمبر الماضي، مكونة من 84 صفحة، تتهمها بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، وينتظر أن تُعقد أولى جلساتها غدًا الخميس 11 يناير.
إن إقدام جنوب أفريقيا على هذه الخطوة عكس ليس فقط موقفًا أخلاقيًا وسياسيًا صحيحًا، إنما أيضًا قدرة على تحمل الضغوط التي تمارسها الدولة العبرية وحلفاؤها على الدول أو الهيئات التي تعمل على إصدار إدانة دولية ضد ممارسات إسرائيل أو تحشد الرأي العام العالمي بالفعل وليس بالشعارات ضدها.
وقد اتخذت جنوب أفريقيا هذه الخطوة الاستثنائية والشجاعة معتمدة من ناحية على جرأة وديمقراطية نظامها السياسى (رغم مشاكله الكثيرة)، وأيضًا كدولة ذاقت ويلات الاستعمار الاستيطاني والتمييز العنصري من ناحية أخرى.
علينا ألا ننسى أن جنوب أفريقيا شهدت واحدة من التجارب الملهمة في تاريخ البشرية في مناهضة الفصل العنصري، فقد عرفت في البداية نضالًا سياسيًا مدنيًا على يد حزب المؤتمر الوطنى الأفريقي، لكن بعد القمع والحظر الذى تعرض له الحزب وإطلاق النار على المتظاهرين السلميين الرافضين لسياسة الفصل العنصري أسس نيلسون مانديلا (رمز التسامح) في 1961 جناحًا عسكريًا سماه «رأس الحربة»، وأصبح رئيسًا له واعتُقل وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، وأطلق من محبسه جملته الشهيرة: «اتحدوا! وجهزوا! وحاربوا! إذ ما بين سندان التحرك الشعبي ومطرقة المقاومة المسلحة سنسحق الفصل العنصري»، وهو ما حدث.
وقد شرحت جنوب أفريقيا في دعواها، بمهنية ورصانة في الأسلوب والمضمون وبالأدلة، الوحشية التي تُرتكب في غزة، وقدمت طلبًا عاجلًا إلى المحكمة بأن تٌعلِن سريعًا أن «إسرائيل خرقت التزاماتها بموجب القانون الدولي منذ السابع من أكتوبر الماضي».
واتهمت جنوب أفريقيا إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة، «وقامت بأفعال محددة بقصد تدمير الفلسطينيين كمجموعة قومية وعنصرية وإثنية»، مما يشكل انتهاكًا للاتفاقية المتعلقة بالإبادة الجماعية.
وأشارت أيضًا إلى أن «إسرائيل فشلت في منع الإبادة الجماعية وحرَّضت عليها»، ويدعو الطلب إلى «اتخاذ تدابير مؤقتة لحماية حقوق الفلسطينيين، وضمان امتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية».
وقد تضمنت الدعوى تصريحات كثيرة أدلى بها كبار المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم رئيس الوزراء نتنياهو، واعتبرتها أظهرت «نية إبادة»، فمثلًا حين قارن الفلسطينيين بشعب العمالقة (العماليق) في الكتاب المقدس اليهودي، حيث أمر الله الإسرائيليين بتدميرهم، وتقول الآية الكتابية: «الآن اذهب واضرب العماليق، اقتل الرجل والمرأة والرُّضع».
الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا اعتمدت على توقيع إسرائيل وجنوب أفريقيا على الاتفاقية الدولية لمناهضة الإبادة الجماعية. ورغم أن قرار المحكمة سيكون استشاريًا إلا أنه بالتأكيد سيمثل ورقة ضغط جديدة على دولة الاحتلال، لعله يردعها قريبًا ويضطرها لوقف العدوان والإبادة الجماعية.
التعليقات