المعلومات التي نشرتها مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية (الأربعاء 24-1-2024)، بخصوص أن «الولايات المتحدة تخطط للانسحاب من سوريا»، حيث تعيد الإدارة الأمريكية النظر في أولوياتها العسكرية في المنطقة، ألقت أضواء كاشفة حول حقيقة الموقف الأمريكي من الانسحاب من العراق، والتضارب الشديد في التصريحات والمعلومات بهذا الخصوص من الجانب الأمريكي، وبالتحديد غياب إجابة واضحة ومحددة للسؤال الجوهري: هل تخطط الولايات المتحدة للانسحاب من العراق فعلاً، مع شركائها في التحالف الدولي الذي يرتبط وجوده بالقتال ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، أم ترفض هذا الطلب مبدئياً، وتناور بخصوصه؟

خلفيات معلومات مجلة «فورين بوليسي» ترتبط بين وجود نوايا أمريكية للانسحاب من سوريا، وبين الأزمة الإقليمية الراهنة التي جاءت ضمن تداعيات هجوم «طوفان الأقصى»، والحرب الإسرائيلية الدامية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. فقد ربطت المجلة بين هذه الأزمة الإقليمية التي تتحدث عنها، وبالتحديد الهجمات المتواصلة التي تتعرض لها القواعد والقوات الأمريكية في العراق وسوريا، وأن هذه الهجمات بلغت أكثر من 130 هجوماً بالصواريخ والطائرات المسيَّرة من قبل فصائل المقاومة العراقية خلال الأشهر الماضية، إسناداً للمقاومة في غزة، بينها هجوم صاروخي تعرضت له السفارة الأمريكية (8/12/2023)، وأدت هذه الهجمات، ضمن ما أدت، إلى انسحاب القوات الأمريكية من قاعدة «هيمو» العسكرية في مدينة القامشلي السورية، التي تعد من القواعد الحيوية بالنسبة إلى القوات الأمريكية، الأمر الذي يمكن أن تستتبعه انسحابات أمريكية أخرى. فهل سيكون الانسحاب من العراق ضمن هذه الانسحابات؟ وهل سيكون الانسحاب الأمريكي من العراق في حال حدوثه ضمن تفاهمات وشروط واضحة متفق عليها مع الحكومة العراقية حول مستقبل العلاقات الثنائية الأمريكية، على نحو ما تشير أنباء جلسة الحوار الأولى التي بدأت أعمالها في بغداد، يوم السبت الماضي (27/1/2024)، للجنة العسكرية العليا المشتركة بين العراق والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة «لمراجعة مهمة التحالف الدولي» والتي أشرف على أعمالها رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، بنفسه، أم سيكون هذا الانسحاب الأمريكي اضطرارياً، على نحو ما تتحدث فصائل ما يسمى ب«المقاومة الإسلامية في العراق» التي تهدد بفرض «السيناريو الأفغاني» على الولايات المتحدة، والتي رفضت المفاوضات التي بدأت بين الطرفين، العراقي والأمريكي ومخرجاتها، على نحو ما توعدت «حركة النجباء» من أسمتهم ب«الخونة» ب«سيناريو أفغانستان»، مشيرة إلى أنها ستواصل العمليات العسكرية رداً على العدوان على غزة؟

البيان الحكومي الذي صدر في بغداد عن جلسة الحوار الأولى للجنة العسكرية العليا المشتركة الأمريكية – العراقية، قال إن «الحوار الذي بدأ لإنهاء وجود التحالف الدولي انتهى بالاتفاق على ضمان سلامة القوات الأمريكية في العراق، وعلى جدول زمني للانسحاب».

لكن الموقف الرسمي العراقي لم يوضح الآلية التي سوف تحكم المفاوضات بين الجانبين، في وقت ما زال التناقض قائماً بين ما تقوله بغداد إن الحوار سيفضي إلى انسحاب القوات الأمريكية، وبين ما تقوله «البنتاغون» إن المفاوضات «لا تهدف إلى الانسحاب»، على نحو ما ورد على لسان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بأن «اجتماعات اللجنة العسكرية العليا مع العراق تأتي ضمن حوار التعاون الأمني المشترك بين الولايات المتحدة والعراق»، فضلاً عن الرسالة الأمريكية التي تسلّمها العراق عبر وزارة خارجيته، التي تحدثت عن أن «الانسحاب، في حالة حدوثه، فلن يكون من دون ثمن»، والتي تضمنت الحديث عن هذا الثمن ضمن إشارة إلى «الالتزامات المالية والاقتصادية التي تربط البلدين».

الهجوم العنيف الذي تعرضت له قاعدة «التنف» الواقعة عند مثلث الحدود بين الأردن وسوريا والعراق، مساء الأحد الماضي (28/1/2024)، وأدى إلى مقتل 3 جنود أمريكيين، وإصابة 34 آخرين، وردود الفعل الأمريكية الغاضبة من الرئيس الأمريكي، ونائبته كامالا هاريس، ووزير الدفاع لويد أوستن، تؤكد أن الانسحاب الأمريكي من العراق لن يكون سهلاً، وأن آفاقه ستبقى ضبابية بين سيناريو التفاهم، والسيناريو الأفغاني.

لا يبدو في الأفق حتى الآن، ما يشير إلى قرب الانسحاب الأمريكي من العراق أو سوريا، لأن الولايات المتحدة تجد نفسها الآن متورطة في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ووجودها في البلدين، إضافة إلى وجودها في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، هو جزء من معركة الدفاع عن إسرائيل في إطار التحالف الاستراتيجي الذي يربطهما.