منذ قيام دولة الإمارات العربية المتحدة على يد مؤسسها وباني نهضتها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في عام 1971، وهي تأخذ على عاتقها مسؤولية الاهتمام بالتراث وبصونه على أفضل نحو وأوسعه.
وقد اهتمت على نحو خاص بإحياء الموروث الإماراتي كهوية وطنية راسخة ومتجذرة تمثل جزءاً مهماً من شخصية الدولة وتاريخها، ولذا نجد ملامح قوية للأصالة الوطنية في كل تفاصيل ومعالم الحياة في دولة الإمارات، بما في ذلك رموزها الوطنية وشعاراتها الرسمية وخطط نهضتها وسياساتها التنموية.
ورغم التطور السريع المطرد في مسارات البناء والنهضة والازدهار، وما يصاحب ذلك من انفتاح حضاري مشهود، فإن ملامح التراث الإماراتي ظاهرة للعيان في كل المناسبات والأماكن والمعالم. واستمراراً لذلك الاهتمام العميق بالتراث، أصدر صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بصفته حاكماً لإمارة أبوظبي، قانوناً بإنشاء «هيئة أبوظبي للتراث».
وتحلُّ الهيئةُ الجديدة محلَّ كلٍّ من «نادي تراث الإمارات» و«لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي». وتختصُّ «هيئة أبوظبي للتراث» بوضع الاستراتيجيات الهادفة إلى المحافظة على التراث و«السنع» الإماراتي، وترسيخ قِيَم الهُويَّة الوطنية والقيم التراثية في المجتمع، إضافةً إلى توثيق الممارسات التراثية، وإجراء الدراسات والبحوث المتعلِّقة بالأدب والتراث، بما يتوافق مع استراتيجية التراث الثقافي في إمارة أبوظبي. وتتولى الهيئة رعاية وتعزيز وتوثيق الشِّعر بأشكاله المختلفة، سواء النبطي أو الفصيح، وتقوم بمراجعة الدراسات والإصدارات الخاصة بالتاريخ الشفهي في الإمارة واللهجات المحكية فيها، ومحتوى القصائد والمواد المكتوبة والمرئية والمسموعة المرتبطة بالقيادة والوطن.
وتهدف «هيئة أبوظبي للتراث» إلى نشر الوعي بالتراث والسنع الإماراتي، وتعزيز قِيَم الهُويَّة الوطنية والحفاظ عليها، لتعزيز التلاحُم المجتمعي، كما تتولى إدارة وتنظيم المهرجانات والمعارض والبرامج التراثية داخل الإمارة وخارجها، بالتنسيق مع الجهات المختصة.
ويأتي اهتمام القيادة الرشيدة بالتراث ضمن نهج أصيل لدولة الإمارات يُعنى بصون القيم وإحيائها، والمحافظة على التراث الأصيل باعتباره أساس هوية الدولة وأحد محددات نهجها العام، ولذا فقد اهتمت بالمتاحف والآثار والمواقع التاريخية وبالأنشطة الثقافية والمضامين الفلكلورية.. كما اهتمت بتنظيم المهرجانات والمسابقات التراثية التي تعكس هوية البلد وأصالته وانتمائه للثقافة العربية الأصيلة الخالدة.
وما من شك في أن إنشاء الهيئة الجديدة، إنما جاء ليكرس عقوداً من العمل الدؤوب والاهتمام المتواصل بالتراث وصيانته، إذ تجمع الهيئةُ كلَّ المؤسسات ذات الصلة بالنشاط التراثي الأصيل تحت مظلة واحدة، لتوحيد المسار والنهج والخطط الاستراتيجية المعنية بصون التراث والمحافظة عليه، ولإحياء معالمه وإبرازها، وللفت انتباه الأجيال الجديدة إلى هذا التراث الغني الأصيل الذي يعبِّر عن أصالة الدولة وهويتها وتاريخها.
كثير من دول العالم، في ظل التطور الاقتصادي والانفتاح الثقافي، تغيرت ملامح هويتها الثقافية، وفقدت الاهتمامَ بتقاليدها وموروثاتها الثقافية والاجتماعية العريقة.. لكن مجتمع الإمارات ظل محافظاً على موروثاته وتقاليده، معتزاً بانتمائه لهويته وبزيه الوطني، داخل الدولة وخارجها، وهذا ما يعكس أصالةَ المجتمع وانتماءه وصدق ولائه لوطنه، وارتباطه بهويته وبخصوصياته الراسخة التي يفخر بها بين الأمم.
التعليقات