اتخذت دولة الإمارات منذ تأسيسها نهجاً راسخاً، يهدف إلى تحقيق الاستدامة في مختلف المجالات، إيماناً منها بأهمية هذه القيمة في حاضر المجتمع ومستقبله، وضرورة المحافظة على الموارد والثروات، والعمل على ديمومتها، ليستمر الانتفاع بها، وخاصة مع ما يواجهه العالم اليوم من تحديات بيئية ومناخية متنوعة، لا تخفى على أحد، وهي تستدعي حلولاً جوهرية لمواجهتها والتغلب عليها، وذلك لا يتأتى بكل تأكيد إلا بتضافر جهود الجميع، مجتمعات ومؤسسات وحكومات، للخروج بالحلول الناجعة التي تصب في مصلحة البشرية جمعاء.

وانطلاقاً من مسؤولياتها، أطلقت دولة الإمارات مبادرة «عام الاستدامة» في 2023، للعناية بهذا الجانب المهم، ونشر الوعي والتثقيف حول قضايا الاستدامة البيئية، ليترسخ ذلك وعياً وثقافة وسلوكاً لدى مختلف شرائح المجتمع، وأطلقت الاستراتيجيات والمبادرات الوطنية التي تخدم هذا المجال، وقد انقضى هذا العام بإنجازات إماراتية متعددة، من أبرزها استضافة مؤتمر المناخ العالمي «COP28»، وما نتج عنه من الاتفاق التاريخي للمناخ، الذي أقره ممثلو 197 دولة، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وإطلاق صندوق للاستثمار المناخي بقيمة 30 مليار دولار، وتدشين محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية، وتدشين المرحلة الخامسة من مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، بالإضافة إلى إطلاق «استراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050».

واستمراراً على هذا النهج الراسخ، والإنجازات المتواصلة، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، عن تمديد مبادرة «عام الاستدامة»، لتستمر مسيرة الاستدامة على مختلف الأصعدة، في رحلة وطنية لا تنقطع.

إن هذا الإعلان الوطني، يعكس حرص دولة الإمارات على المضي قدماً في ترسيخ الاستدامة في جميع مناحي الحياة، وتحقيق المزيد من الإنجازات في هذا المجال، لتكون دولة الإمارات بذلك نموذجاً ملهماً لكافة الدول والمجتمعات، لتحذو حذوها في تحقيق التنمية المستدامة، وحفظ الموارد والثروات التي حبا الله البشرية بها، وحماية البيئة التي هي نعمة عظيمة لا تقدر بثمن، وتستوجب من الإنسان المحافظة عليها، ليدوم خيرها للجميع.

وهذه الرحلة الوطنية التي لا تنقطع نحو الاستدامة، هي امتداد طبيعي للإرث الحضاري الذي رسخه المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فقد أولى البيئة فائقة العناية، وعمل على تحويل الصحراء القاحلة إلى أرض خضراء باهرة، برؤية طموحة، لا تعرف المستحيل، وأطلق الكثير من مشاريع التنمية المستدامة، التي انتفع بها كل من يعيش على ثرى هذه الأرض الطيبة، وقد قال مؤكداً على ذلك: «إننا نولي بيئتنا جلّ اهتمامنا، لأنها جزء عضوي من بلادنا وتاريخنا وتراثنا، لقد عاش آباؤنا وأجدادنا على هذه الأرض، وتعايشوا مع بيئتها في البرّ والبحر، وأدركوا بالفطرة وبالحس المرهف، الحاجة للمحافظة عليها، وأن يأخذوا منها قدر احتياجهم فقط، ويتركوا فيها ما تجد فيه الأجيال القادمة مصدراً للخير ونبعاً للعطاء».

إن ذلك يضع أمامنا حقيقة واضحة، وهي أن الاستدامة منهج حياة، وهي مسؤولية مجتمعية، يتشارك فيها الجميع، وتتطلب أن يتحلى كل فرد بالسلوكيات التنموية الرشيدة، فيكون قدوة في ترشيد استهلاك الموارد التي بين يديه، وحسن إدارتها بالشكل الأمثل، ويُعوِّد على ذلك أسرته ومن يحيط به، وقد حثنا ديننا الحنيف على ذلك، فقد جاء الأمر بالاعتدال وحفظ النعم، والنهي عن الإسراف والتبذير، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو يتوضأ، فقال: «ما هذا السرف؟» فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: «نعم، وإن كنت على نهر جارٍ»، كما جاء الحث على وسائل التنمية المستدامة، مثل الزراعة وغيرها، وما في ذلك من الفضل والأجر، فقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة»، ويتأكد ذلك بالنسبة للمزارعين والصيادين ومربي الحيوانات وغيرهم، وممن هم معنيون بذلك أيضاً، المؤسسات والقطاعات المختلفة، لتكون كل هذه الجهات مشاعل مضيئة، تساند رؤية القيادة الحكيمة في تحقيق التنمية المستدامة، وابتكار الحلول والمبادرات المميزة.