يواصل الاقتصاد الأميركي النمو، بينما انخفضت مستويات التضخم إلى نحو 3 في المئة، وهو معدل أقل بكثير من 8 في المئة التي سجلت قبل نحو عام. وفي الأثناء، تواصل أسعار القروض العقارية انخفاضها، والأجور ارتفاعها، فيما انخفضت البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ عقود. وفضلاً عن ذلك، باتت الولايات المتحدة اليوم أكبر منتج للنفط والغاز الطبيعي في العالم. غير أنه على الرغم من هذه الإحصائيات والأرقام الإيجابية، فإن جو بايدن يواجه مشكلة كبيرة داخلياً بسبب الهجرة غير الشرعية التي خرجت عن السيطرة عبر الحدود الجنوبية مع المكسيك.

والواقع أنه منذ أن أصبحت الولايات المتحدة جمهورية فيدرالية، أُثقلت البلاد بنظام هجرة معقد ومثير للجدل، شمل في البداية العبودية والعبودية التعاقدية للأشخاص الذين يتم نقلهم من أفريقيا وأوروبا. وخلال القرن التاسع عشر، كانت موجات الهجرة من أوروبا وآسيا عنصراً أساسياً في النمو الاقتصادي وصعود أميركا كقوة عالمية. غير أن كل مجموعة من المهاجرين عانت من التحيز وكانت حقوقها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية محدودة. وفي عام 1924 قيّد قانون الهجرة دخول المهاجرين من مجموعة بلدان، وخاصة بعض بلدان آسيا. لكن في عام 1965 أُلغيت العديد من تلك القيود وأضحى المهاجرون محل ترحيب طالما أنهم يصلون بشكل قانوني. غير أنه مع نهاية القرن العشرين، كانت أعداد متزايدة من المهاجرين غير الشرعيين تصل البلاد، والكثيرون منهم ينحدرون من المكسيك وأميركا اللاتينية.

واليوم أصبحت مشكلة الهجرة أزمةً وطنيةً، فمنذ أن أصبح بايدن رئيساً في يناير عام 2021، عبر ما يناهز 4 ملايين مهاجر غير شرعي الحدودَ إلى الولايات المتحدة، نصفهم تقريباً نجوا من الترحيل أو الاحتجاز. وكان دونالد ترامب قد تعهد، عندما ترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2016، بمنع دخول المهاجرين غير الشرعيين، واعداً ببناء جدار على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك «تدفع ثمنه المكسيك». لكن هذا لم يحدث. غير أنه بينما يستعد ترامب للترشح مرة أخرى لانتخابات الرئاسة في نوفمبر القادم، بات موقفه المتشدد بشأن الهجرة يحظى بشعبية متزايدة لدى العديد من الناخبين الذين يشاهدون صوراً تلفزيونية للفوضى والعنف على الحدود الجنوبية وفي المدن الكبرى.

وكانت هناك مبادرات عديدة تحظى بتأييد مشرعين من كلا الحزبين في الكونجرس، تروم صياغة قوانين جديدة من شأنها أن تزيد من صعوبة عبور المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة والبقاء فيها. ذلك أن هناك إجماعاً على أن القوانين الحالية غير قابلة للتطبيق وتحتاج إلى إصلاح. ومن أبرز القضايا الخلافية هناك قضية من يسمّون بـ«الحالمين»، وهم المهاجرون غير الشرعيين الذين جاؤوا إلى الولايات المتحدة حين كانوا أطفالاً، وعاشوا فيها وعملوا ودفعوا الضرائب، ويعتبرون أنفسهم أميركيين عموماً. كما أن الكثيرين منهم خدموا في القوات المسلحة الأميركية.

في عام 2012، أصدر الرئيس أوباما أمراً تنفيذياً بشأن «الإجراء المؤجل للقادمين من الأطفال» والذي يقضي بتوفير حماية مؤقتة لـ«الحالمين»، لكنه لم يوفر طريقاً يفضي إلى حصولهم على المواطنة. وفي عام 2017، علّق دونالد ترامب الأمرَ التنفيذي، لكن بايدن أعاده في 20 يناير 2021، الذي يصادف يوم تنصيبه.

وفي الأثناء، استمرت عمليات عبور الحدود مع محاولة أعداد متزايدة من الأشخاص الدخولَ إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك أعداد متزايدة من المواطنين الصينيين. والأرجح أن الأشخاص الكثيرين الذين ما زالوا يرغبون في القدوم إلى أميركا سيضاعفون جهودَهم الرامية إلى العبور نحو الجانب الأميركي من الحدود هذا العام نظراً لأنهم يخشون أن تجعل إدارةٌ جديدةٌ يرأسها ترامب الأمرَ أكثر صعوبة.

وفي الرابع من فبراير الجاري، تقدمت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ، من كلا الحزبين، بمسودة مشروع قانون جديد شامل من شأنه الاستجابة للعديد من مطالب «الجمهوريين» الذين يطالبون بآليات تنفيذ أكثر صرامة. كما من شأنه أن يتضمن المزيد من المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان، ومزيداً من الأموال لأمن الحدود. لكن ترامب ندد بالتشريع المقترح. ذلك أن الرئيس السابق لا يريد دعم أي قوانين جديدة من شأنها مساعدة بايدن في حملته الانتخابية. ولهذا، سيتعين على «الديمقراطيين» شن هجوم مضاد قوي يوضح انتهازية موقف ترامب وحساباته السياسية الضيقة.

وفي الأثناء، ستتواصل مشكلة المهاجرين، وسيضعف دعم أميركا العسكري لأصدقائها. والواقع أن بعض الجمهوريين يشعرون بالقلق إزاء حالة الشلل الداخلي هذه، غير أنه من غير المؤكد ما إن كانوا يملكون القوة والإرادة لتحدي ترامب.