مقال اليوم يندرج تصنيفاً: «فيما لا يعنيك»، فهناك أمور تخص أناساً بعينها، وإن تحدثت عن تلك الخصوصية أصبت بسهام الانتقاد، وأدنى اعتراض أن يقال لك: «وانت اش دخلك يا لقوفي».

والكتابة الصحفية اليومية تدخل الكاتب عنوة إلى حياض اللقافة بقصد أو من غير قصد.

ووفق ما أعرفه عن سلوكياتي بأني بعيد جداً عن «اللقافة»، إلا أن الكتابة تكون غاوية بصورة مذهلة للوقوع في فخاخ «الحشرية».

هذه توطئة لما قادتني إليه الكتابة عن مربي الوحوش الضارية أو المفترسة، وهم فئة لا يمثلون ظاهرة في تواجدهم أو كثرتهم، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت منهم ظاهرة صورية، يتكرر وجودهم حتى تظن أن الناس تحولوا إلى وحوش مستأنسة شبيهة بالوحوش التي تتم تربيتها.

ولأن المقدمات «سخيفة» حين يكون الموضوع المتناول سخيفاً أصلاً «عند البعض»، فتحملوا سخافتي بهذه المقدمة:

يجمع الإنسان خصالاً عديدة في فطرته الرئيسة، والتي تنمو عبر تدرج وعيه الخاص بالمشيئة، وقد تكون خصلتا الشهوة والغريزة هما أهم خصلتين متداخلتين يتأرجح بينهما الإنسان في تحقيق مشيئته، فهو قادر على المنع، وكبح غرائزه، وشهوته، ويحقق ذلك الكبح من خلال الإدراك، بينما الغريزة سلوك غير مدرك أو غير واعٍ.

ولهذا فإن الحيوان يتحرك بغرائزه المنفلتة، والتي لا يُحكم فيها عقلاً - كونه كائناً غير عاقل - فيظل منساقاً لغرائزه من غير رادع حتى وإن مارس وظائف الكائن الحي، فهو يمارسها وفق الغريزة، ولا يمكن تحويل الغريزة لدى الحيوان إلى سلوك مُدرك.

وجميعنا ترسخ في بالنا أن الحيوان غريزي يتحرك في حياته على مبدأ الغريزة من غير تفكير لما يحدثه من فعل، ولهذا لا يمكن تغيب تلك المعلومة عند التعامل مع الحيوان المفترس.

وتعامل الناس مع الحيوانات الضارية أو المستأنسة هو تعامل مدرك بالمخاطر التي يمكن وقوعها، فلا يلام الحيوان على غرائزه وإنما يلام الإنسان على محاولة كسر غريزة الحيوان بحجة التدريب أو الألفة.

وإن وجدت حيواناً ألف على طريقة تعاملك معه، فهذا لا يعني تخلص الحيوان من غريزته، فهو سرعان ما يعود إليها من غير تبرير لماذا عاد.

ويتعرض بعض المربين إلى افتراس حيواناتهم التي يربونها، ويغيب عن هؤلاء المبدأ الرئيس لوجود الكائنات غير العاقلة.. فهي كائنات ترتد إلى غرائزها مهما ظن مربوها أنها استأنست، أو ألفت.

وتعجز نصائح الوعظ مع محبي الحيوانات الضارية، ويصبح غير مجدٍ قول تلك النصائح، أو الحقائق، أو السنن التي أوجد الله بها خلقه.

ومن البديهيات أن بعض الأمور تصبح الدولة ملزمة فيها بتقييد الحلال المضر على الأفراد، أو المجتمعات.. فتربية الحيوان لها الحِلية إلا أن تلك الحِلية تكتسب «الحرمانية» بنص القانون.

نعم، هناك قوانين تجرم تربية الحيوان الضاري إلا أن المستهتر يقفز على القانون وتكون النتيجة دفع الغرامة مالياً أو حياته نفسها، ولهذا يصبح المقال ركضاً في بلاط «اللقافة»، فعذراً للحيوانات الضارية لهذه «الحشرية».