إعجاب جابر عصفور بأدب يوسف إدريس كبير، حيث اعتبره أهمّ كاتب للقصة القصيرة في العالم العربي في حينه. هذا ما تقوله الدكتورة هالة أحمد فؤاد في تصديرها لكتاب عصفور: «قراءات في أدب يوسف إدريس»، الذي أتينا على ذكره في مقال الأمس. كتب عصفور عدّة مقالات عن يوسف إدريس في مراحل تاريخية مختلفة، لكنه ظلّ يشعر بأن أدب إدريس لم يُوفَّ حقه، لا من قِبَله هو فقط، وإنما من قِبَل الآخرين أيضاً من النقّاد والأدباء، وهو رأي ذهب إليه أيضاً محمد المخزنجي في تقديمه لكتاب عصفور.

«بصورة مباغتة، تقول الدكتورة هالة فؤاد، شعر جابر عصفور وقبل أن يغادر الدنيا، بضرورة إعطاء الرجل حقه النقّدي»، لعله يسدّ شيئاً من النقص في الكتابة النقدية الجادة والمدققة لكتابات إدريس المهمة. بدأ عصفور، حين عزم على ذلك، بالعودة إلى ما كتبه من مقالات عن يوسف إدريس، وكرّس وقته ليجعل منها كتاباً متجانساً، حتى إنّ عصفور، وفق ما تروي الدكتورة هالة فؤاد، أعدّ لائحة كاملة بكل قصص وروايات يوسف إدريس التي يريد الكتابة عنها لكنّ القدر لم يمهله حتى ينهيها.

يتضمن كتاب جابر عصفور عن أدب يوسف إدريس قراءات نقدية في أعمال قصصية وروائية ليوسف إدريس، وجرى تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء أو أقسام، يتضمّن كل جزء قراءة في أعمال يوسف في مرحلة معينة، أُرّخت الأولى في العام 1991، والثانية في العام 2003، أما القراءة الأخيرة فوضعت في العام 2021، أي قبل رحيل جابر عصفور بقليل.

تحت عنوان «عالمية يوسف إدريس»، رأى عصفور أنه حتى ولو لم ينل إدريس نوبل للآداب، «فإن إنجازه الأصيل يؤهله لتلك الجائزة، بل يضعه في مصافّ أعلى بكثير من بعض الذين حصلوا عليها في تاريخها الممتد الذي يتجاوز مئة سنة»، مستشهداً في ذلك بالصدى الذي تركته ترجمات أعمال إدريس إلى اللغات الأجنبية، ومن ضمنها الإنجليزية، حيث عرّفت القراء والنقاد الأجانب بإبداع كاتب عبقري، وجرت مناقشة أعماله في الأوساط النقدية والدوائر الأكاديمية التي يتزايد اهتمامها بأعمال إدريس ترجمة ودرساً.

ومن واقع تجربته الشخصية يستشهد عصفور بالنقاش الحماسي الذي تخلل ساعاته مع طلبته في جامعة هارفارد حول رواية إدريس «العسكري الأسود» التي أضافت ترجمتها إلى الإنجليزية ما أبرز أبعادها الرمزية.

حول عالمية يوسف إدريس، حكى محمد المخرنجي أيضاً، وهو القارئ النهم لتورجينيف وتشيخوف وغيرهما ومأخوذ بأدبهم، أنه ما إن فرغ من قراءة «جمهورية فرحات» لإدريس حتى صرخ في داخله: «هو ده بقى إحنا. ده إحنا»، وكان معنى الصرخة أن إدريس يضاهي هؤلاء العالميين في فن القصة.