هل يمكن أن تتصوّر فخّاً، أوروبا على وشك الوقوع فيه، أدهى من هذا؟ أطلقْ لخيالك العنان، فتخيّل القارّة العجوز متحفاً لفنون الخزف، وإذا بثور هائج يقتحم. السحر لم ينقلب على الساحر مباشرة، وإنما على إخوانه وذويه الذين باعدت بينهم السنون. تذكّر المثل: «من يزرع الريح، يحصد العاصفة». لهذه المشاهد خلفية وأسباب مرتبطة بالقصة.
أعجوبة تربوية. قرّرت السلطات الأوكرانية تجنيد تلاميذ المدارس، وتدريبهم على استخدام السلاح. لعلّ المفاجأة فقدت جذوتها، فقد سبقهم بها «الدواعش» في العراق وسوريا وليبيا، بتجنيد المراهقين حطباً لنار وقودها لَبِنات بناء الأوطان. «أرحام تدفع، وأرض تبلع». فقدَ الغرب رشده، وكما لم يقل شوقي: «ويُسأل في الحوادث ذو صوابٍ.. فهل ترك الصراعُ له صوابَا»؟ وإلاّ فانجرار أوكرانيا إلى حتفها، حماقة أوروبية تُعيي من يداويها. توهّم الممثل الكوميدي أن النزاعات الجيوسياسية الاستراتيجية الكبرى، هي الأخرى ملهاة، فالدولة التي لها ستة آلاف قنبلة نووية، يمكن أن تمسي حطاماً بدبابتين وفصيلة. المخرج الذي لعب بخيوط الدمى، حرّكها جميعاً وهي لا تدري. جرفها التيار، فلما استفاقت أدركت ألاّ سبيل إلى العودة، خشيت انكشاف الحقائق المرّة لشعوبها، فواصلت العناد.
الصيّاد منطقه سليم، هو يرى أن الطعم لا يشكّل حتى1% من حجم السمكة. لكن على الهرّ أن يسأل نفسه عن حظوظ انتصاره على الأسد. لو كانت المسألة «اضرب واهرب»، لهان الأمر، خدشة أو خمشة ثم الفرار، لكن المرامي بعيدة: الحيلولة دون التحام روسيا بألمانيا اقتصاديّاً لتشكيل قوّة ضاربة عالمية، تقسيم روسيا وتفتيتها، محاصرة الصين. الممثل الكوميدي تكفيه أحلام الراعي وجرّة العسل، أمّا الملاحم فلها مسرح غير دكّان القصّاب.
السحر لم ينقلب على الساحر الذي خطط لحلم كتاب: «رقعة الشطرنج الكبيرة». انقلاب السحر كان على طريقة المتنبي: «وجُرمٍ جرّهُ سفهاءُ قومٍ.. وحلّ بغير جارمهِ العذابُ». عيب، أن تحتفل ألمانيا سنة 2024 بالمئوية الثالثة لمولد الفيلسوف الرائد إيمانويل كانط، صاحب «نقد العقل الخالص»، بينما السياسات الأوروبية تحتاج إلى «نقد قلّة العقل». حتى نعود إلى قواعدنا في السطر الأوّل سالمين، نسأل: هل فكرت القارة العجوز في الكوارث التي ستترتب على تجنيد التلاميذ وتدريبهم على السلاح، إذا انتهت الحرب بلا إعادة إعمار ولا تنمية؟ ما الذي سيحدث لأوروبا، عندما يجتاح الفايكينج والفندال الجدد القارة العجوز الدرداء التي وهن العقل منها؟
لزوم ما يلزم: النتيجة البوريلية: يفعل أهل الحديقة بأنفسهم، ما لا يفعله أهل الأدغال بأدغالهم.
التعليقات