لو سألني صديق إعلامي عن أفضل جهة يمكن أن يعمل بها، فإنني سأنصحه مخلصًا بالجهة التي لا يعتقد فيها رئيسها أنه يعرف كل شيء ويستطيع إدارة كل شيء بنفسه.

أسوأ من المسؤول المركزي هو ذاك المسؤول الذي يمارس صلاحيات موظفيه المتخصصين ويدعي أنه يعرف كل شيء، فتجده مديرًا للإعلام يزاحم مدير الإعلام ومديرًا للمالية مع مدير المالية وكذلك مع رئيس المحاسبين، حتى يتحول الموظفون إلى مجرد تابعين (مضللين) لا يصرحون بآرائهم خشية أن يفقدوا وظائفهم، ثم يتسرب الإحباط إلى الجميع حتى تموت ملكة الإبداع ويصير العمل مجرد تطبيق لما يريده المسؤول، وتكتمل المشكلة عندما يتذوق المسؤول "حلاوة" الظهور الإعلامي ثم يدمنها فيصبح شغله الشاغل الظهور المتكرر والفارغ من أي جديد.

وهنا لا نبخس أي مسؤول حقه في فرض توجهاته ورؤيته الخاصة لمستقبل المنشأة وطموحها، لكن الغرق في التفاصيل وفي العمل اليومي والتنفيذي يعكس فشل المسؤول في خلق فريق مؤهل قادر على إيصال رسالته بالشكل المطلوب، وفشله أيضًا في إيصال رؤيته لموظفيه وإقناعهم بها، وكم من منتجات إعلامية تخالف أبسط مبادئ الممارسة المهنية عندما نتتبعها نجد مدير الإعلام في المنشأة مجرد منفذ / ناقل لأفكار واقتراحات رؤسائه ومستشاريهم غير المتخصصين.

المسؤول الناجح هو ذاك الواثق الذي يحيط نفسه بالمتخصصين ويمنحهم حق ممارسة صلاحياتهم وتحمل مسؤولياتهم، وليس ذاك الذي يعمل ليل نهار ويحمل عشرة أجهزة وحقائب من المعاملات، ويتولى دور المدير والموظف في آنٍ واحد، حتى تفقد الهياكل التنظيمية معناها وتصبح العمليات اليومية مبهمة ومثقلة بالتبعية المطلقة لمعرفة ووقت شخص واحد، ما يعيق القدرة على الابتكار، وتصبح القرارات مركزية تتجاهل المختصين الذين يمتلكون الخبرة العملية والمعرفة الفنية التي يمكن أن تقود المنشأة نحو نتائج أكثر فاعلية واستدامة، وغني عن القول إن المركزية ينتج عنها غالبًا بيئة عمل سامة، حيث يشعر الموظفون بأنهم مجرد أدوات تنفيذية بلا قيمة إضافية، كما أن هذا النوع من الإدارة يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الروح المعنوية، وزيادة معدل تسرب الموظفين، ثم تدهور الأداء العام للمنشأة، بينما تفويض الصلاحيات وتشجيع المبادرات يخلق بيئة عمل محفزة منفتحة على الأفكار والمشاريع الجديدة، ما يؤدي إلى نتائج أكثر إبداعًا وابتكارًا.

لذلك، فإن المسؤول الناجح هو ذاك القادر على الاستماع والتعلم من فريقه، المؤمن بأن التنوع في الخبرات والآراء يمكن أن يثري العملية الإدارية، عبر بناء ثقافة تشاركية داخل المنشأة تمكّن الموظفين من التعبير عن أفكارهم المهنية بحرية قبل اتخاذ القرارات، مما يعزز من مشاركتهم وانتمائهم، ويخلق بيئة إيجابية تنبض بالحيوية لا يشعر فيها الموظفون أن دورهم يقتصر على التنفيذ فحسب، بل يصبحون شركاء حقيقيين يعنيهم النجاح ويمثلهم.