كان لدى الروائي البرازيلي باولو كويلو وهو في بداية حياته حلمان، الأول أن يصبح كاتباً، والثاني أن يزور مصر. حلمان يبدوان في الظاهر مختلفين، كان بإمكانه أن يصبح كاتباً من دون أن يزور مصر، فالأمران منفصلان، ومع أن كويلو، وبعد أربعين عاماً من الانتظار أصدر روايته الأولى «الحاج»، لكن الحياة ستمكّنه من النجاح في أن يجعل حلمه بالتفرغ للكتابة واقعاً، حين تحقق له حلمه الثاني: رؤية مصر وزيارة الأهرامات فيها، لأن تلك الزيارة ألهمته فكرة أشهر رواياته: «الخيميائي»، لتليها بعد ذلك عدة روايات، بينها «على نهر بييدرا جلستُ فبكيت»، «الشيطان والآنسة مريم»، «فيرونيكا تقرر الموت»، «الجبل الخامس»،إضافة إلى كتابه السردي الجميل: «مكتوب».

في مصر سيلتقي كويلو برجل اسمه حسن، وصفه بالصديق، رغم أنه لم يسبق له أن التقاه قبل ذلك، ولم يلتقه بعدها أيضاً، فرأى فيه صفات الإنسان المصري البسيط الذي حبّبه في مصر. تولى حسن تعريف الضيف بطريقة الحياة المصرية، واصطحبه لرؤية الأهرامات. عبر مرورهما بالصحراء وفي غمرة انبهار كويلو بالأهرامات طلب من حسن أن يصلي، ففعل وسمعه يتلو سورة الفاتحة، وراقه الدعاء بالهداية للطريق المستقيم.

عندما أنهى حسن صلاته قرر كويلو لحظتها أن يغيّر مجرى حياته، وأن يحقق حلمه في التفرغ للكتابة وأن يعيش منها، وكان أن شرع بعد عودته من مصر مباشرة في كتابة روايته «الخيميائي» التي ترجم بهاء طاهر عنوانها إلى العربية ب«ساحر الصحراء»، وتتحدث الرواية، كما يعلم من قرأها، عن راعٍ شاب من سنتياغو يقطع بلداناً كثيرة في طريقه إلى مصر، بحثاً عن كنزٍ مخبأ فيها، عملاً بنصيحةٍ أُسديت له تقول: «إذا رغبت في شيء فإن العالم كله يطاوعك ليأذن لك بتحقيق رغبتك»، وفي الرواية نقل كويلو المشهد الذي جمعه مع حسن وهو يصلي.

هذا بعض ما قاله باولو كويلو في حواره مع الأديبة هالة البدري أثناء زيارته للقاهرة للمشاركة في برنامج تحت عنوان «حوار الحضارات» نظّمته كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة، وأعادت هالة البدري نشره في الجزء الأول من كتابها «غواية الحكي»، وفيه قال أيضاً إن مكانة مصر في قلبه تشبه مكانة الكنز الذي من أجله أتاها الشاب الرحالة قاطعاً تلك المسافات.

قوله يُذكّرنا بما نقله روبير سوريه في كتابه: «مصر.. ولع فرنسي عن الآثاري شامبليون»: «لا أجد أحداً أقرب إلى قلبي من المصريين»، وكما أتى شامبليون مصر التي شغف بها حباً، وحقق حلمه برؤية ودراسة آثار حضارتها، أتاها باولو كويلو لتلهمه أهم رواياته وأشهرها، ولتفتح له آفاقاً كان يحلم ببلوغها، ولتطلق عنان مخيلته الإبداعية.