على الرغم من الخلاف الأميركي الإسرائيلي، والكلام القاسي الذي صدر عن الرئيس جو بايدن ضد سلوك إسرائيل في حربها على غزة. وعلى الرغم من القرار الأميركي بتعليق تسليم إسرائيل اسلحة هجومية دقيقة قد تستعملها في الهجوم على مدينة رفح، تزامنا مع ارتفاع حدة الاحتجاجات الطالبية في عدد من كبريات الجامعات في البلاد، قررت إسرائيل المضي في عملية رفح البرية بأسلوب القضم التدريجي للمساحات المفتوحة أولا. وثانيا الالتفاف حول الاحياء في محاولة لتقطيع اوصال المدينة. وعلى العكس من كل التوقعات لم يؤد الخلاف الأميركي الإسرائيلي حول أسلوب تل ابيب المعتمد في الحرب في ثني حكومة اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو عن مواصلة الحرب حتى إتمام المرحلة الأخيرة منها في مدينة رفح التي يتضح كل يوم انها ليست نقطة الخلاف بين الشريكين الأميركي والإسرائيلي، بل ان نقطة الخلاف تتعلق بالأسلوب، ونسبة العنف، والخسائر بين المدنيين. فمدينة رفح تحتضن ما يقاب مليون ونصف مليون مواطن فلسطيني، ويستحيل ان يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي من دون ان يلحق خسائر هائلة في صفوف المدنيين. انما العملية سوف تستمر وان على مراحل من اجل توزيع مجموع ارقام الخسائر البشرية الصادمة تخفيفا للحملة الدولية المعارضة للحرب الإسرائيلية على غزة.

ما تقدم يفيد بأن الحرب سوف تستمر. وبأن كل ما يحكى عن تحولات في الرأي العام الأميركي لم يكف حتى الآن لتغيير العقيدة الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة وموقع إسرائيل فيها. فاليوم حكومة نتنياهو لكن غدا قد تأتي حكومة أخرى اقل جنونا وتطرفا ستصلح الاعطاب التي اصابت العلاقات بين الشريكين الدائمين منذ ١٩٤٨. وأي رهان على واقع مختلف يكون ضربا من الوهم وقصر النظر السياسي. هذا ما يجب ان يدركه الحزب المتورط في حرب "المشاغلة" انطلاقا من الجنوب. وخصوصا ان التصعيد بدأ يرتفع بشكل خطير للغاية من جانبي الحدود. وكلما اظهر "حزب الله" قدراته الصاروخية والمؤذية لإسرائيل قويت حجة الجناح الداعي الى الحرب الواسعة ضد لبنان داخل كل من الحكومة الإسرائيلية، والمستوى الأمني. بمعنى آخر ان قيام "حزب الله" بمواصلة الحرب والذهاب الى تصعيد اكبر، والانتقال من وضعية الدفاع السلبي الى وضعية هجومية وان منضبطة حتى الآن سيدعم الجناح الإسرائيلي المشار اليه، ويرفع من مخاطر نشوب حرب واسعة.

وللتذكير فإن غالبية الشعب اللبناني ترى ان حرب "المشاغلة" عبثية ولزوم ما لا يلزم. وترفض ان تربط سلامة لبنان واللبنانيين بأي حرب خارجية، بصرف النظر عن الاجماع اللبناني تأييدا للقضية الفلسطينية. فتعريض لبنان للخراب ليس خيارا مقبولا، بل هو مقامرة خطيرة لا بل انها خطيرة جدا لان تداعياتها المستقبلية على الكان اللبناني ستكون سلبية جدا. فنحن لا نبالغ ان قلنا ان سلوك "حزب الله" منذ الثامن من تشرين الأول الماضي قد عزز فكرة الانفصال التي تعشعش في صدور معظم البيئات اللبنانية. وهي تعزز فكرة موت الدستور، وموت الحياة المشتركة مع "حزب الله" والنواة الصلبة المؤيدة له بشكل اعمى.

ان القول ان وقوع الحرب على لبنان مستحيل ضرب من الجنون. انها اقرب من أي وقت مضى. وكما اسلفنا فإن الضرر الكبير قد وقع. فقد ماتت وحدة البلد، يوم حول فريق مسلح لبنان الى سجن كبير.