الأربعاء أكثر أيام الأسبوع ازدحاماً بأعمال مجلس العموم البريطاني سواء في القاعة الرئيسية أو القاعات الأخرى واللجان المختلفة؛ والدقة الثانية عشرة من «بيغ بن» تعلن بداية المساءلة الأسبوعية لرئيس الوزراء، ومبارزته الكلامية من ستة تبادلات مع زعيم المعارضة. رئيس الحكومة، ريشي سوناك، كعادته قبل بدء المناظرة، وقف وراء المقعد الضخم المرتفع لرئيس البرلمان يراجع أوراقه للإجابة عن الأسئلة الخمسة عشر من نواب اختيروا بالقرعة، متوقعاً إثارة كل نائب ما يتعلق بدائرته الانتخابية. أما مداخلات زعيم المعارضة العمالية السير كيير ستارمر، فغير متوقعة، لكن سوناك قدر تلويحه بخسائر حزب المحافظين في انتخابات البلديات والعمد الإنجليزية.

راقبت مشهداً ليس فقط الأول من نوعه منذ طوال أكثر من عقدين من وجودي في منصة الصحافيين، بل أيضاً غير مسبوق في تاريخ المناظرة الأسبوعية. ناتالي إلفيك، نائبة حكومة المحافظين لمدينة دوفر، غادرت مكانها من مقاعد المحافظين «لتعبر الأرضية» (التعبير البرلماني لقلب ظهر المجن للحزب)، وتتجه إلى مقاعد المعارضة. إلفيك ليست أول من يغير لونه السياسي في وستمنستر، وليست أول من يعكس المعتاد وهو العبور من المعارضة إلى صفوف الحكومة، فقبلها ببضعة أسابيع ترك لي أندرسون، نائب رئيس المجلس التنفيذي للمحافظين مقاعد الحكومة ليجلس في صفوف المعارضة (تحت ألوان حزب الإصلاح اليميني) بجانب زميله السابق من يمين المحافظين أندرو بريدجين (نائب مقاطعة شمال غربي ليسترشير)، وكان هجر المحافظين قبل ستة أشهر إلى صفوف المعارضة، بصفته نائباً مستقلاً. المفاجأة أن النائبة إلفيك، وهي، سياسياً وآيديولوجياً، إلى أقصى يمين النائبين بريدجين واندرسون لم تجلس بجانبهما، بل جلست وراء زعيم المعارضة العمالية ستارمر في الدقائق الباقية من الجلسة المخصصة لشؤون إمارة ويلز. زعيمة الأغلبية، بيني موردانت في الصف الأول لنواب الحكومة، وضعت نظاراتها فوق عينيها لتتأكد من الوجه النسائي الجالس وراء زعيم المعارضة، ثم هرولت إلى المدخل الشمالي (وراء كرسي الرئيس) حيث يقف سوناك لتحذره من مفاجأة السلاح الجديد في الترسانة البرلمانية للزعيم العمالي. ستارمر بدأ الهجوم قائلاً إنه مثلما رحب قبل أسبوعين بالنائب العمالي الجديد لمقاطعة وسط سافوك (الدكتور دان باولتر الذي هجر المحافظين والتحق بصفوف العمل، إذ يحظر أن يذكر نائب اسم نائب آخر في الجلسة، فقط يشير إليه كممثل لدائرته)، فإنه يرحب اليوم بنائبة عمالية لدائرة دوفر، وأن حزبه كسب الدائرتين قبل الانتخابات التي اتهم رئيس الحكومة فقدان الشجاعة على إجرائها. فدائرة وسط سافوك ظلت في قبضة المحافظين منذ إنشائها منذ أكثر من ربع قرن، ويسيطرون على دوفر منذ 55 عاماً، باستثناء فترة حكومة توني بلير العمالية.

تلويح زعيم العمال بالمعطفين اللذين خلعهما نواب سوناك، والخسارة الفادحة التي مني بها حزبه في انتخابات البلديات قبل أسبوع دفعتنا إلى مقارنة اليوم ببارحه هزيمة المحافظين الكبيرة بزعامة جون ميجور أمام العمال بزعامة بلير في انتخابات 1997. خسر المحافظون في الانتخابات البلدية التي سبقتها في 1995 قرابة ألفي مقعد، وفاق نصيب العمال 47 في المائة من إجمالي الأصوات، بينما حصل المحافظون على 25 في المائة والديمقراطيون الأحرار 23 في المائة. وقتها كان للمحافظين 336 مقعداً وللعمال 271 في برلمان وستمنستر، أي احتاج بلير 55 مقعداً فقط ليشكل حكومة في انتخابات 1997. لكنه فاز بـ132 مقعداً (انعكاساً لنسبة الفارق عن المحافظين في الانتخابات المحلية لـ1995). الفارق في مجلس العموم اليوم 139 مقعداً (للعمال 205 وللمحافظين 344) ويحتاج ستارمر إلى الفوز في 121 دائرة إضافية ليشكل حكومة؛ نتائج انتخابات البلديات الأسبوع الماضي، منحت العمال 34 في المائة من إجمالي الأصوات، المحافظين دون 27 في المائة وإذا انعكست هذه النسبة في الانتخابات العامة يحصل العمال على 298 مقعداً، أي 34 دون الأغلبية.

في 1997 كانت لبلير سياسة واضحة جذبت الناخب إليها، فصوت إيجابياً لبرنامجهم، أما ستارمر فليست له سياسات واضحة. أغلبية الناخبين (الذين يدلون برأيهم في الاستطلاعات) لا يرغبون في حكومة عمالية بزعامته، بقدر ما يريدون إسقاط المحافظين، أي يصوتون سلبياً.

في حالة البرلمان المعلق سيصعب على ستارمر الائتلاف مع القوميين الأسكوتلنديين، لأن مطلبهم سيكون إجراء استفتاء لاستقلال أسكوتلندا، وغالباً ستتوزع المقاعد التي يحتاجها بين ثمانية أو ربما عشرة أحزاب في قوس قزح من اليمين إلى اليسار (حصلت فيما بينها على 23 في المائة من إجمالي مقاعد وأصوات البلديات)، فلن توجد كتلة من 34 مقعداً بسياسة متناسقة واحدة.

نائبة دوفر، إلفيك، بررت انتقالها بفشل حكومة سوناك في إيقاف قوارب المهاجرين غير المتدفقين على دائرتها، لكن العمال أكثر تساهلاً مع المهاجرين من المحافظين. الهجرة ضمن أولويات الناخب بجانب الاقتصاد وخدمات الصحة، وسياسة يراها الناخب فعالة يتخذها سوناك مع قضية الهجرة مع تحسن في الأوضاع الاقتصادية، ربما تقنع ناخبي المحافظين التقليديين الذين لم يصوتوا في الانتخابات البلدية، بالتصويت في الانتخابات العامة.