قضية حقوق المؤلف من القضايا المؤرّقة التي طالما أقضّت مضاجع المؤلفين، وكل من ينتج أعمالاً إبداعية مختلفة؛ ففي ظل موجات التغيرات التي يعيشها العالم في عصرنا الحديث، بكافة تعقيداته التي تزيد من صعوبة حفظ الحقوق، وحماية المؤلف من العبث بجهوده الفكرية، وبالتالي استمرار حالة من الفوضى تكتنف المشهد وتزيد من قلق المؤلفين في حفظ حقوقهم الأصيلة، وحمايتها من تسلّق المنتفعين. من هنا فإن العالم يسعى بكافة مؤسساته إلى تحفيز الإبداع والمبدعين من خلال حماية حقوق المؤلفين وطمأنتهم على جهودهم الفكرية حتى يواصلوا إنتاج أعمال جديدة دون القلق من استغلالها بغير حق، وهذا لا يتأتى إلا عبْر توفير بيئة آمنة لحماية الأفكار والابتكارات، وتساهم في استمرار عملية الابتكار والتطور الثقافي والعلمي. فمن خلال نظام حقوق المؤلف يمكننا تعزيز الإبداع، وبالتالي ضمان استدامة العطاء والابتكار والنمو الثقافي والاقتصادي.
من هنا فإن ثمة أمل يتجدد، وحالة من الاطمئنان عاشها المشهد الثقافي والفكري في بلادنا، إذ شهدنا يوم أمس ملتقى حقوق المؤلف، بعنوان: «التشريعات والتكامل المؤسسي»، الذي دشنه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، رئيس مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية ونظمته المكتبة بالتعاون مع الهيئة السعودية للملكية الفكرية والهيئة العامة لتنظيم الإعلام بمشاركة أكثر من 30 باحثاً وأكاديمياً من الخبراء والمختصين والمهتمين بمجال حقوق المؤلف.
الملتقى يعكس أهمية حقوق المؤلف واستشعار خطورة التحديات التي تواجهها، فهو يمثل حاجة راهنية في ظل التحولات الكبرى في تقنيات البحث والذكاء الاصطناعي التي يشهدها عالمنا اليوم، إذ تظهر تحديات جديدة وغير مسبوقة في مجال حقوق المؤلف.
وما يزيد من حجم التوقعات وضمان الخروج بتوصيات مهمة تخدم المؤلف وحقوقه، أن مكتبة الملك فهد الوطنية المؤسسة الثقافية الرائدة في بلادنا هي من يحتضن هذا الملتقى وتلاقح الأفكار؛ فالمكتبة - وكما أشار سمو الأمير فيصل بن سلمان - تحمل على عاتقها منذ نشأتها رسالة توثيق التراث الوطني وحمايته ونشره. واليوم، تجدد المكتبة التزامها بدعم حقوق المؤلفين والمبدعين، مؤمنة بأن حماية حقوق المؤلف هي الضمانة الأساسية لاستدامة الابتكار وتطور المعرفة وتعزيز الإبداع، ولقد كانت المكتبة - ولا زالت - صرحًا حضاريًا وثقافيًا يعكس وجه المملكة الحضاري، مسهمةً في تعزيز المعرفة وخدمة المجتمع.
والملتقى كما عكس الحضور المهم له، احتضن نخبة من الخبراء والمختصين، بهدف استعراض التشريعات الوطنية والدولية المتعلقة بحقوق المؤلف، وتحليل التطورات الأخيرة في هذا المجال، بالإضافة إلى مناقشة دور مكتبة الملك فهد الوطنية في توثيق ونشر الأعمال الأدبية والبحثية والفنية وضمان حقوق أصحابها، كما يُسلط الضوء على دور الهيئة السعودية للملكية الفكرية في تطبيق السياسات والإجراءات المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية وتعزيز الوعي بها.
إن التأكيد على التكامل المؤسسي بين الجهات المعنية، بما في ذلك مكتبة الملك فهد الوطنية، والهيئة السعودية للملكية الفكرية، ووزارة الإعلام، يُعد أحد المحاور الرئيسة لهذا الملتقى من خلال تعزيز التعاون والتنسيق بين هذه الجهات، يمكن تحقيق أهداف حماية حقوق المؤلف وتطوير البنية التحتية والسياسات ذات الصلة.
ولا شك أن ملتقى حقوق المؤلف يُعدُّ خطوة مهمة نحو تحقيق هذه الأهداف، من خلال التوصيات والمقترحات القيمة المُرتَقبة التي ستسهم في تعزيز حقوق المؤلف في المملكة وتطوير البيئة التشريعية والثقافية بما يواكب تطلعاتنا نحو مستقبل أكثر إبداعًا وابتكارًا.
التعليقات