لعل الحديث عن الذكاء الاصطناعي أو ما يطلق عليه( AI)أصبح حديث الساعة باستخداماته ومفاجآته غير المتوقعة لكثير من المجتمعات والدول، رغم تحذير أهل الاختصاص من إمكانية تجاوز المستخدمين له حدودا غير مسبوقة، والانطلاق إلى استخدامات في الجريمة بكل تنوعها الافتراضي أو السياسي أو حتى الاقتصادي أو التزوير والتزييف إلى آخره. فبعد أن أصبحت الدردشة “شات وتطبيق جي.بي.تي”، المبتكر من شركة “أوبن إيه.آي” الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي، الأسرع نموا على الإطلاق ضمن التطبيقات الإلكترونية، بدأ سباق تنافس في مجال الذكاء الاصطناعي، واستخداماته. إذ تسعى شركات تكنولوجيا كبيرة مثل مايكروسوفت وقوقل في سباق محموم للتفوق على بعضها البعض في هذا المجال. هذا يقودنا إلى أمر مهم وهو استخدامات الذكاء الاصطناعي في الجريمة، وكيف يمكن للمجرمين أن يستخدموا هذه التقنية في أعمالهم الإجرامية، سواء المحلية أو العابرة للحدود، وكيفية الحد من ذلك؟ فمن خلال الذكاء الاصطناعي واستخداماته للجريمة يمكن صياغة رسائل بريد إلكتروني متطورة، للتصيد الاحتيالي المالي، أو تطوير برامج ضارة مصممة خصيصاً للاختراقات الأمنية لضحايا، مستهدفين بذلك مؤسسات أو شركات أو بنوك أو حتى أشخاص، وتزوير هوياتهم وأشكالهم وصورهم، أو ابتزازهم وانتحال شخصياتهم من خلال بناء خوارزميات تساعدهم على ذلك. ففي دراسة لخبراء «كاسبرسكي» وهي شركة متخصصة في أمن الحواسيب تقدم حلولا وتطبيقات لبرامج مضادة للفيروسات، مقرها الرئيس في العاصمة الروسية موسكو، ولها مكاتب إقليمية حول العالم، وجدت ارتفاعاً في عدد مجموعات برامج الفدية المستهدفة بنسبة 30 % على المستوى العالمي خلال الفترة من 2022 إلى 2023. كذلك ارتفع عدد ضحايا هجمات برامج الفدية المستهدفة بنسبة 70 % خلال الفترة الزمنية ذاتها. وهذا يقودنا إلى تساؤل مهم جدا في كيفية التعامل مع هذ الخطر، وكيفية الحد من هذه الجرائم من خلال الأداة نفسها؟ فكما أن البندقية سلاح للهجوم، هي بكل تأكيد سلاح للدفاع، وهذا يتطلب من المختصين والباحثين ألا يكتفوا فقط بكيفية معرفة الحد من الجريمة، وكيفية صد تلك الهجمات ومعرفة مصادرها فقط. فالوقوف دائما في وضعية المدافع يسهل الاختراق بكل أشكاله. وبالتالي وجب الانتقال إلى فكرة معرفة كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مساعدا للجريمة؟ وكيف يمكن التنبؤ بالأفكار أو الجرائم التي قد يتبناها والتعامل مع هذه الأداة بهذه الطريقة؟ فلا يكتفي فقط بتحليل البيانات وتبويبها ومعالجتها، فهذا جز بسيط من عملية دراسة الجريمة واستخدامات الذكاء الاصطناعي البسيطة. ففي اعتقادي أن عقلية المجرم دائما تعرف مواطن ضعفها، وتحاول أن تبتعد عن تلك المواطن حتى لا يقبض عليها. فاذا ما تم التعامل مع هذه الاختراقات والتهديدات بعقليتهم وبأدواتهم، حتما سيحد من هذه الجريمة، لأنك تعرف مواطن الضعف والخلل. فأنت تعرف ما الذي يمكن أن يفعله وليس تحليل ما قام به. إضافة لذلك، تقديم الوعي الإلزامي، فالوعي بمفهومه الواسع قد لا يصل بالطريقة التي نريدها والتي نحتاجها للحد من الجريمة، فما زال مفهوم الوعي والطريقة التي يقدم بها يعتبر مفهوما تقليديا من حيث الوسيلة والمضمون، والدليل على ذلك ارتفاع نسبة عدد مجموعات برامج الفدية المستهدفة بنسبة 30 % على المستوى العالمي. ولكن عندما يكون الوعي ملزما للفئات المستهدفة من الضحايا وباستخدام الذكاء الاصطناعي، قد يكون له تأثير أوسع، ومساحة أكبر للتضييق على المجرمين والحد من الجريمة.
- آخر تحديث :
التعليقات