ربما لم تبلغ أوروبا مرحلة الانعطاف النهائي نحو (اليمين)، ولكن نتائج الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوروبي تشهد على أنها ذاهبة، بالفعل، نحو هذا الانعطاف، وقد لا يستغرق الأمر سوى بضع سنوات، في حال حقق هذا (اليمين)، بكافة تفرعاته، بما فيها اليمين المتطرف، أو (الشعبوي) كما يوصف أحياناً، هدفه بالوصول إلى السلطة في البلدين الأهم في الاتحاد، أي فرنسا وألمانيا، وهو أمر لم يعد مستحيلاً، كما تظهر ذلك نتائج الانتخابات الأخيرة في البلدين وفي بلدان أوروبية أخرى أيضاً.
حرصنا على أن نضع صفة (اليمين) بين مزدوجين، لأن التقسيم التقليدي المتوارث بين اليمين واليسار، لم يعد يُظهر، في بعض أوجهه، الفروقات في البرامج الاجتماعية والاقتصادية التي كانت تميّز كل فريق عن الآخر في المراحل السابقة، منذ أن ظهر التقسيم بين اليمين واليسار، فبعض، وليس كلّ بطبيعة الحال، ما تتبناه الأحزاب الأوروبية المدرجة اليوم في خانة اليمين، سواء على صعيد السياسات الداخلية أو الخارجية، يقترب، أو يكاد يكون هو نفسه، ما تبناه اليسار في مراحل سابقة.
وليس أدلّ على ذلك من أنّ القاعدة الانتخابية التي كانت أصواتها مضمونة لأحزاب اليسار في القرن الماضي، صار جزء كبير منها ميّالاً للتصويت لليمين وبرامجه التي يجدها أقرب إليه، ونظرة على نتائج الانتخابات الأخيرة تظهر أن أحزاب اليسار لم تحصد سوى 38 مقعداً، فيما نال اليمين الشعبوي 84 مقعداً، والقوميون الموصوفون أيضاً بالشعبويين 66 مقعداً، من أصل 728 مقعداً، توزع الباقي منها على الاشتراكيين الديمقراطيين، والخضر، والمسيحيين الديمقراطيين، والليبراليين، والذين يمكن أن تتشكل بينهم تحالفات تحول دون بلوغ اليمين، حالياً، السلطة، دون نفي قدرته على نيل ذلك في المستقبل المنظور.
يُعيينا تصريح ل(اليميني) فيكتور أوربان، رئيس الوزراء الهنغاري، بعد الإعلان عن نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، في شرح ما أردنا قوله، حين صرح بأن الانتخابات «جرت كما خطط لها وأراد»، وأن تيار اليمين تمكّن من «إبطاء القطار» الذي يُقاد من «سائق مجنون»، يدفع بأوروبا نحو حرب جديدة، محذّراً من أنه ما لم يكبح الانحدار السريع نحو الحرب، بداية في أوروبا، ووصولاً إلى الولايات المتحدة، فسننخرط قريباً في حرب. وأعطى المثال بأن فرنسا «البلد الأكثر تأييداً للحرب شهدت زلزالاً سياسياً حقيقياً، فأنصار السلام فازوا بقوة كبيرة وعدد كبير من الأصوات، وجرى تعيين موعد جديد لانتخابات مبكرة».
كي تكتمل لدينا الصورة، علينا الوقوف عند إضافة أوربان: «الآن ننتظر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ليجلب النصف الثاني في الولايات المتحدة، وعندها سيحلّ السلام». تصريحات مبالغ فيها ولا شكّ، ولكن واقعاً غربيّاً جديداً يتشكّل.
التعليقات