قرار مجلس الأمن الذي حمل الرقم 2735 حول وقف إطلاق النار في غزة، والذي لقي ترحيباً عربياً ودولياً واسعاً، يؤكد رغبة المجتمع الدولي في إنهاء الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ أكثر من ثمانية أشهر، لكن الرغبة وحدها لا تكفي، إذا لم تقترن بالإرادة اللازمة والحاسمة لتنفيذه حتى لا ينضم إلى أرشيف القرارات الأممية السابقة التي بقيت «حبراً على ورق».

بعيداً عن مضمون القرار الذي قدم في صيغته النهائية كمشروع قرار أمريكي، رغم ما قيل بأنه في الأصل مقترح إسرائيلي، فإنه يبقى إطاراً عاماً لعملية تفاوض شاقة، ومعرضة للفشل رغم الإلحاح الأمريكي على إنجاحها. والسبب يكمن في الغموض والتناقضات الواردة في بعض بنود القرار، وعدم وجود آليات ضغط حقيقية لإلزام طرفي الصراع بتنفيذه. إذ كيف يمكن تفسير قرار يستند إلى مقترحات إسرائيلية، وترفضه إسرائيل، ويتم تحميل المسؤولية للطرف الفلسطيني حتى بعد ترحيبه بالقرار؟! وكيف يمكن ترك بنود جوهرية من نوع إنهاء الحرب والانسحاب الكامل من قطاع غزة أسيرة للغموض الذي يكتنف مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق، وهي تمثل مطلبين متناقضين لطرفي الصراع، ما قد يؤدي إلى نسف العملية برمتها أو يترك عملية التفاوض مفتوحة على مصراعيها طالما أنها غير محددة بسقف زمني؟!

اللافت في هذه العملية أن إدارة بايدن حشدت كل جهودها الدبلوماسية والسياسية إقليمياً ودولياً، لإنجاح «صفقة» تحتاجها هي أكثر من غيرها، ربما لأسباب داخلية أمريكية، ناجمة عن شعورها أساساً بأنها بدأت تخسر الانتخابات، بفقدانها جزءاً كبيراً من أصوات الشباب والجاليات العربية والإسلامية، خصوصاً في الولايات المتأرجحة، علاوة على المعارضة القوية داخل قواعد ومؤسسات الحزب الديمقراطي لأداء البيت الأبيض ودعمه الأعمى والمطلق لإسرائيل في حربها على غزة. وبالتالي تسعى هذه الإدارة لتحقيق «إنجاز ما» يتيح لها استعادة الثقة بالناخبين الأمريكيين بأي ثمن، حتى لو كان عبر التفاوض مع «حماس» من خلال طرف ثالث يتيح لها إطلاق سراح خمسة أمريكيين محتجزين في قطاع غزة، في حال فشل المفاوضات التي يقودها الوسطاء الإقليميون. وبات من الواضح أن الإدارة الأمريكية، ورغم قرار مجلس الأمن الأخير، غير قادرة أو لا تريد الضغط على إسرائيل لإلزامها بتنفيذ القرار، لا من خلال الوسائل السياسية ولا من خلال وقف شحنات الأسلحة والأدوات الكثيرة التي تمتلكها، في سنة انتخابية هي بأمَسِّ الحاجة فيها لكل أصوات الناخبين، من كل الجاليات اليهودية والعربية والإسلامية ومن كل المكونات الأخرى.

بهذا المعنى، يبقى قرار مجلس الأمن بلا أنياب ولا آليات تنفيذ، ومن المرجح أن يلحق بما سبقه من قرارات، طالما أن إسرائيل هي التي تعارضه، كما أوضحت في رد فعلها الأوّلي، رغم ما قيل عن أنه مقترح إسرائيلي، لاعتبارات كثيرة، تدفعها للهروب إلى الأمام، بلا أي هدف ولا استراتيجية محددة حتى إشعار آخر.