انقلب بعض الأميركيين المحتجين على الحرب في قطاع غزة على الرئيس جو بايدن. فهم يؤكدون أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تقتل أعداداً كبيرة من المدنيين، وهذا صحيح، وأن بايدن يستطيع إيقافها، وهو أمر مشكوك فيه. لكن كيف يتعاملون مع حقيقة أن دونالد ترامب، في فترة ولايته الثانية، سيكون أكثر تأييدا لنتنياهو وأكثر معاداة للفلسطينيين من رئيسنا الحالي؟
الجواب الذي كنت أسمعه هو أن الهدف هو إرسال رسالة: إذا كلفت غزة بايدن الانتخابات، فسيفهم «الديمقراطيون» أنهم سيحتاجون في الانتخابات المقبلة إلى إعادة التفكير في دعمهم الانعكاسي ظاهرياً لحكومة إسرائيل والالتزام كحزب بحماية الحقوق الفلسطينية.
هناك العديد من الأسئلة التي يمكن للمرء أن يطرحها حول هذه الحجة، ولكن من منظور معين، فإن السؤال الأكثر أهمية بالنسبة للناخبين الأميركيين قد يكون: ما هي الانتخابات المقبلة؟
هناك احتمال حقيقي للغاية أنه إذا فاز ترامب في نوفمبر، فستكون هذه آخر انتخابات وطنية حقيقية تجريها أميركا لفترة طويلة جداً. وعلى الرغم من وجود مجال للخلاف هنا، إذا كنت تعتبر هذا البيان مبالغة شنيعة، فأنت لم تنتبه.
صحيح أننا نستطيع، بل يتعين علينا، أن ندرس البرامج السياسية التي يتبناها المرشحون وتأثيراتها المحتملة، تماماً كما لو كانت هذه انتخابات رئاسية عادية. لكن هذه ليست انتخابات عادية، فالديمقراطية نفسها على بطاقات الاقتراع، وسيكون من غير الحكمة عدم أخذ ذلك في الاعتبار.
لنبدأ من هنا: رفض ترامب قبول نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، وقدم ادعاءات من دون أدلة عن الاحتيال في محاولة منه لإلغائها. وفي العامين الماضيين، أظهرت استطلاعات الرأي المختلفة أن ما يقرب من ثلثي أعضاء الحزب «الجمهوري» وافقوا على إنكاره للانتخابات. ورفض العديد من أعضاء الحزب البارزين القول إنهم سيقبلون نتائج الانتخابات هذا العام. لماذا نتصور أنهم سيصبحون أكثر احتراماً للانتخابات المقبلة؟
يمكن القول إن المؤسسات الأميركية من شأنها أن تحد من قدرة ترامب ومن يتبعه على فرض حكم الحزب الواحد الدائم، وهو ما فعلوه - بالكاد - بعد انتخابات عام 2020. لكن المؤسسات تتكون في نهاية المطاف من الناس، وفي هذه المرحلة، يُظهِر العديد من «الجمهوريين»، بما في ذلك قضاة المحكمة العليا، قوة واهنة في دعم الديمقراطية وسيادة القانون.
لذا، فإن فوز ترامب قد يسدل الستار على السياسة كما نعرفها - فقد طرح بالفعل فكرة ولاية ثالثة، وهو أمر محظور بالطبع بموجب التعديل الثاني والعشرين من الدستور. ولكن على أية حال، فقد عمل بين أتباعه على الأقل على تعميم فكرة مفادها أن أي انتخابات رئاسية يفوز بها «الديمقراطيون» هي انتخابات غير شرعية.
ولا تنسوا أولئك الذين يمكن أن نسميهم «الجمهوريين» المرتدين، فهؤلاء لم يقتنعوا بالكامل بأجندة «ماجا» (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى) ولكنهم يكرهون بايدن ويعتقدون أن ترامب سيقوم بعمل أفضل. ومن المفترض أنهم يعتقدون أن ولاية ترامب الثانية ستكون مثل ولايته الأولى، عندما تحدث عن الشعبوية، ولكنه اتبع في الغالب أجندة الحزب «الجمهوري» المعتادة المتمثلة في التخفيضات الضريبية ومحاولات خفض شبكة الأمان الاجتماعي.
لكن لماذا نتصور أن ولاية ثانية ستكون مماثلة؟ يتحدث مستشارو ترامب عن سياسات جذرية، بما في ذلك عمليات الترحيل الجماعي وتجريد الاحتياطي الفيدرالي من استقلاليته، والتي من شأنها أن تكون مدمرة للغاية حتى من الناحية الاقتصادية البحتة.
ولكن ربما يقول المرء إن ردة الفعل العنيفة ضد مثل هذه السياسات ستكون هائلة، ومن المؤكد أن «الجمهوريين» سيخففون من حدة هذه السياسات خوفاً من أن يلحق بهم التطرف ضرراً شديداً في الانتخابات المقبلة.
وأنا أقول: إذا لم تتم معاقبة ترامب في هذه الانتخابات بسبب تصرفاته الغريبة بعد الانتخابات الأخيرة، فلماذا يقلق بشأن ردة الفعل العكسية في الانتخابات المستقبلية؟ على افتراض وجود انتخابات بالمعنى الحقيقي.
ثم هناك الأثرياء الذين يدعمون ترامب أو يميلون إليه، والذين ربما يخدعون أنفسهم تماماً. وقد يفهم بعضهم أنهم يدعمون حركة راديكالية مناهضة للديمقراطية، وكلهم يؤيدونها. يبدو أن إيلون ماسك، الأكثر شهرة، قد استكمل نظرية «الاستبدال العظيم» لشعار ماجا، لكنه ليس وحيداً على الإطلاق. وبهذا المعنى، قد يكونون أقل انخداعاً من كثيرين. (الاستبدال العظيم هو نظرية مؤامرة يمينية تستند إلى فكرة خاطئة مفادها أن اليهود والمسلمين وغير البيض والمهاجرين يسعون إلى استبدال أو قمع ثقافات الدول والشعوب. في 15 نوفمبر، أثار الملياردير الأميركي، إيلون ماسك، الجدل بعدما أيد منشوراً على منصة «إكس» زعم أن اليهود يؤججون الكراهية ضد البيض، قائلاً إن المستخدم الذي أشار إلى نظرية مؤامرة «الاستبدال العظيم» كان يقول «الحقيقة الفعلية».)
لكن سذاجتهم أعمق، لأنهم يتصورون أن ثروتهم وشهرتهم ستسمح لهم بالازدهار، حتى في أميركا ما بعد الديمقراطية - وأنهم سيكونون محصنين ضد عمليات التطهير والاضطهاد التي تعتبر احتمالاً واضحاً في المستقبل القريب.
لكي أكون واضحاً: أنا لا أقول إنه يجب على الناس تكميم أفواههم والامتناع عن انتقاد بايدن على أساس موضوعي، فهو يستطيع التعامل مع الأمر. وجزء من وظيفته كزعيم منتخب ديمقراطياً هو التعامل مع ذلك. لكن تجاهل احتمال أن تكون هذه آخر انتخابات حقيقية لنا لفترة من الوقت هو تصرف قصير النظر ومنغمس في الذات.
التعليقات