ألم تر كيف صدر أمر تنموي مستعجل في دبي، بتلقي جميع المدرّسين دورات مكثفةً في الذكاء الاصطناعي؟

بصراحة، يجب أن نبدأ التفكير في الموضوع منذ صدوره، لأن طول العكوف على الدوافع والدواعي، يفضي بنا إلى استفهامات ما كانت المناهج في حاجة إلى إثارتها، لو كانت عجلات التطور والتطوير تمضي بسلاسة. في غير هذه الحالة يلجأ الحَكَم إلى الصافرة.

هذا الأمر نقطة نظام بالغة الأهمية، صادفت هوىً في نفس القلم، الذي طالما دعا إلى أن اللامعقول في أيّ نظام تعليمي، هو أن يكون بمعزل عن مسارات التنمية ومساقاتها ومسافاتها. في أدنى مستويات الحسابات التخطيطية، حتى لا تصطدم أسئلة الجهات المسؤولة عن التنمية بقول الشاعر: «إني أنلتك أذْناً غير واعيةٍ.. ورُبّ منتصتٍ والقلب في صممِ»، إذا كانت القنوات غير سالكة، فكيف يستجيب نظام التعليم إذا تلقى من السلطات: نريد كذا مهندساً، كذا طبيباً، وكذا وكذا؟

لا بأس بإطلالة خاطفة على عمّنا أبي عثمان الجاحظ، في استطراد عابر: أيّها السادة في المناهج، إن القطار لن ينتظر حتى تضعوا تارةً الساق على الساق، وأخرى تستهويكم اللوحات التشكيلية في الغيوم، بينما لغتنا العربية على كف عفريت جرّاء الإحجام عن تبسيط القواعد. الأخبار لن تكون سارّةً، إذا جرت جداول المواد العلمية، بفضل تطبيق منهاج سنغافورة في الرياضيات، مثلاً، وزِيدَ عليها تأهيل المدرسين بالذكاء الاصطناعي، فماذا أنتم فاعلون في مناهج تدريس العربية؟

كلام كثير ذهب مع الريح. كان من أهم المقترحات في هذا السبيل، الذي يهمّ كلّ العرب، أن تتضافر جهود علماء اللغة والتربويين، في تبسيط القواعد، فثمة عربية واحدة، لا يمكن أن تكون لها أشكال شتى من التبسيط. التبسيط تشريع لغوي، فليس قابلاً لاجتهادات الأقطار. لا يترك شأن التبسيط لأنظمة التعليم.

الطامّة الكبرى هي أن الطالب المراهق سيصاب بالإحباط، حين يرى أن اللغة الأجنبية التي يتعلمها راقصة باليه على الجليد، ساحرة جمباز وجمناز، دماغها مهرجان عالمي للعلوم والمعارف والفنون، لكن، حين يجثو على ركبتيه بين يدي لغته تجثم على ذهنه كوابيس النحاة وشواهدهم التي لا معلوماتية فيها ولا شبكة، لا ذكاء اصطناعي، سوى ألغاز معقّدة من قرون شابت قرونها.

لزوم ما يلزم: النتيجة الحسميّة: آخر العلاج ليس كيّاً. ببساطة، على أنظمة التعليم أن تحلّ مشكلة التبسيط مع اتحاد مجامع اللغة العربية.