ما رأيك في طرح موضوع غرائبي ملهم، لكنه ليس ممّا يرجوه الناس في أيام العيد؟ لا حرج، فلن يحوجك إلى أقراص الصداع، ولا هو قضية ظرف عصيب، فيقول من لا يهمه الأمر: ما هذا التنكيد في يوم عيد؟ «أَأَنا العاشق الوحيد لتُلقى.. تبعاتُ الهوى على كتفيّا؟».

غريب أن العالم واقع في كمّاشة حق القوة، في بيئة دولية باتت حتى دول عظمى لا تستطيع التنفس فيها بطلاقة من دون جاثوم. أليس من العجائب أن دولةً مثل روسيا، متربعةً على أكثر من ستة آلاف قنبلة نووية، غير قادرة على التصرف في حرّ مالها؟ فماذا في وسع غير المدججين بالرؤوس الذرية أن يفعلوا؟ بتعبير الشاعر: «الدويلاتُ الصغيراتُ الحمى.. أين حرياتهن الأربعُ؟». بعد نشوب الحرب بين أوكرانيا وروسيا، جمّدت الدول الغربية الأموال الروسية لديها، فلمّا انخفض منسوب سيول السيولة من روافد الاتحاد الأوروبي والإمبراطورية، أومضت في أذهانهم فكرة النهر الروسي المتجمد، فقرروا أن يقتطعوا جلاميد جليديةً منه يسيّلونها ويسقون بها ظمأ الجبهات الأوكرانية.

ذلك هو الخبر الهامشي. الآن نفتح باب الفكر على «مَصرعيه». مثلاً: ما معنى أن تُدرّس كليات الحقوق القانون الدولي؟ ألا يمسي أقلّ جدوى من القانون الذي قُطعت أوتاره؟ هل يتحلّى الأساتذة بدعابة عالية فيقولون لطلابهم: إن الدول التي تودع أموالها في المصارف العالمية ذنبها على جنبها، فسوف تواجه المثل «يداك أوْكتأ وفوك نفخ»، فأهل القوانين هم الذين ابتكروا مقولة «القانون لا يحمي الجاهلين»، فإذا وقعت الفأس في الرأس، فلا يفيد عتاب ولا شجن. اقتطاع خمسين مليار دولار من النهر الروسي المتجمد، لا ينطبق عليه المثل الشعبي التونسي «عجوز ما يهمّها قَرص». صحيح أن المبلغ الكليّ ستمئة مليار دولار، ولكن من يدري كم حجم القضمات التالية؟

أساتذة كليات الاقتصاد لهم مفارقاتهم: هل سيصارحون الدارسين: على الدول ألا تثق بالبنوك العالمية، فهي كمن يمدّ يده في الظلام، لا يدري أفي عش دبابير أدخلها أم في جحر أفعى؟ في هذا المأزق لا تجدي آلاف الرؤوس النووية، وإن كان العالم اليوم على مثل هاوية خليج الخنازير. لكن مَن يضع خمسين مليار دولار في كفة، وفي الأخرى دمار الكوكب بأسره؟

لزوم ما يلزم: النتيجة العقلانية: الحل الأيسر هو أن تعاد إلى القانون الدولي سيادته. كيف؟ إنشاء نظام عالمي جديد.