ينسب للإمام علي بن أبي طالب قوله «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا -أي استيقظوا-» وهذا قول قال بمثله جميع حكماء وفلاسفة ما تسمى حكمة أو فلسفة الإشراق أو الاستنارة في الأدبيات الروحية الشرقية، وهذا القول يتولد عن كل من مر بخبرة استيقاظ الوعي، أي الخروج خارج صندوق وقالب العقل الجمعي، وعندها يدرك الإنسان أن الكل أشبه بالنيام المسيرين بالكامل بالأحلام أي بقالب اللاوعي الجمعي، والعلم الحديث أكد صحة هذا المنظور بدراسته آلية وكيفية تولد الوعي في الدماغ وتوصل لأن غالب المعالجات الإدراكية تحصل بشكل تلقائي وفق مرجعية معرفة مسبقة تطبع عليها الإنسان منذ الصغر، ولذا خطاب المستيقظين يتصادم دائماً مع القالب السائد؛ لأن الاختلاف بينهما هو كالاختلاف بين اليقظة والمنام وبين المبصر والأعمى، وفي عصرنا الحديث من المفكرين الذين يمثلون خطاب الوعي المستيقظ المفكر السعودي إبراهيم البليهي، والمفكر الإسلامي جودت سعيد، وخطابهم لا يلقى شعبية واسعة لذات السبب الذي لا أحد يحب فيه نغمة ساعة المنبه التي توقظ الإنسان من نومه، كما أن خطاب الوعي المستيقظ يستفز بشكل خاص غرور الأنا أو الكبرياء الجماعي لكونه ينتقد عيوب الذات الجماعية الحقيقية بدل أن يمجدها كما يفعل صوت العقل الجمعي النرجسي الذي يجعل أتباعه يعتقدون أنهم أعظم وأكمل الناس بينما هم في الواقع عكس ذلك. والكبرياء الجماعي هو خلفية الكبرياء الفردي؛ ولذا كل ما يمس القناعة بمثالية وكمال وعظمة الكبرياء الجماعي يثير غضب النائمين ورفضهم؛ لأنه يمثل تهديداً وجودياً لكبريائهم، ولذا ردة فعلهم عليه دائماً تبدو متطرفة ومفرطة وغير موضوعية، ودائماً في جميع المجتمعات مستيقظو الوعي هم قلة نادرة لكن تتمايز المجتمعات في ردة الفعل على فكرهم، فالمجتمعات المتخلفة تقمعهم وتحاربهم وتدفن فكرهم، بينما المجتمعات المتطورة تبرزهم وتكرمهم وتنشر فكرهم، وهذا هو الفارق بين الأنماط التي تديم ثقافة التخلف وبين أنماط ثقافة التطور، فثقافة التطور تعتمد على فكر مستيقظي الوعي في كل جيل؛ ولذا تتطور باستمرار عبرهم، بينما ثقافة التخلف تعتمد على قناعات الأكثر تحجراً بالتبعية للاوعي الجمعي والقالب الموروث؛ ولذا أهله يبقون مراوحين في مكانهم ولا يتطورون ويتصادمون مع المتطورين. والجمهور يستنكر كل ما هو غير معتاد ومألوف؛ لأن غفلة الوعي هي النمط السائد في الناس، ولأن من نزعات غرور الأنا إرادة فرض الهيمنة الثقافية على الآخرين، فكلا الجانبين يحاولان نشر ثقافتهما وفق أدوات كل ثقافة؛ ولذا يحصل التصادم بين المعسكرين، والإسلام بيّن أن التبعية للقالب الموروث يجعل أصحابه يعادون الحق والحقيقة دون تمييز وتمحيص لها فقط لأنها ليست موروثة؛ (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ). (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ) وأرشد القرآن لطريقة التوصل للحقيقة وهي بالتفكير الفردي المستقل والخروج من قالب العقل الجمعي والثقافة السائدة؛ (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ). وفي الصحيح «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، فما هو تجديد الدين؟ هو فكر مستجد مستقل عن القالب الثقافي الموروث والسائد؛ ولذا ما يمثل فكر جوهر الإسلام الحقيقي المجدد هو خطاب مستيقظي الوعي العقلاني الواقعي والحداثي، وإن لم يستعمل المفردات الدينية، وليس خطاب المسيرين بالموروث الشائع والسائد.