لم يكن القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه - مجرد قائد سياسي، بل كان كذلك رائداً في دعم الفنون والثقافة، مؤمناً بدور هذه الفنون في نهضة الأمم وتقدمها. من بين اهتماماته، بالإضافة إلى فنون التراث الشعبي الوطني، كان فن المسرح، الذي اعتبره وسيلة فعالة للإعلام والتثقيف وبناء جيل واعٍ ومثقف.

بدأ المسرح في الإمارات قبل الاتحاد، حيث كانت أعماله الفنية تمارس عند الصيادين والبحارة الإماراتيين في موسم صيد اللؤلؤ، وتنتشر في المناسبات الشعبية من خلال عروض «الخيال والظل». في وقتنا الحاضر، ظهرت مدارس إماراتية للمسرح، وبرز المسرح المدرسي، وتواجدت المسارح العالمية في ربوع الدولة بفضل القيادة الرشيدة.

في لقاء الشيخ زايد مع الشباب بعد افتتاح المسرح القومي للشباب في دبي، عبر عن رؤيته الاستراتيجية لأهمية المسرح مصرحاً: «إن المسرح هام جداً وله دور إعلامي وتثقيفي». هذا يعكس فهمه العميق لدور الفنون في تعزيز الوعي الثقافي والاجتماعي. المسرح، بقدرته على تمثيل الواقع ونقل الرسائل الهامة، يعتبر وسيلة فعالة للتعليم والتوجيه، مما يساهم في بناء مجتمع متماسك ومتناغم.

في نفس اللقاء، يمكن استخلاص العديد من المقاطع التي توضح رؤية زايد الاستراتيجية للوحدة والتكاتف بين أفراد المجتمع. حيث قال: «إنني أرى فيكم الأمل، أمل هذا الشعب في أن يتحول اتحاده إلى وحدة». هذا يعكس إيمانه بأن الفن، يمكن أن يكون جسراً استراتيجياً لتعزيز الوحدة والتفاهم بين الناس. وأضاف: «لقد شهدت أمتنا تطوراً كبيراً بعد سنوات طويلة من التخلف. سرنا الآن خطوات كبيرة من أجل التقدم، وبعد الفرقة أصبحنا متكاتفين». هنا يظهر الشيخ زايد كيف يمكن للفن أن يكون عاملاً استراتيجياً موحداً، يساهم في تجاوز الفروقات ويجمع الناس حول رؤية مشتركة للمستقبل.

أكد الأب زايد على أهمية الفن في التنمية الاستراتيجية الشاملة للأمة، قائلاً: «التقدم الذي أحرزناه ليس في الداخل فقط، ولكنه شمل علاقاتنا مع العالم بأسره». من خلال دعمه للفنون، كان يسعى لتعزيز الهوية الثقافية للإمارات وربطها بالعالم الخارجي، مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون والتبادل الثقافي. كما وجه نداءً حاراً لشباب المسرح: «أنتم أيها الشباب لكم دور هام في ذلك، نريدكم أن تعملوا وتبذلوا كل جهد من أجل وطنكم، ومن أجل حاضركم ومستقبلكم». هنا، يبرز دور الشباب في حمل مشعل الفنون والثقافة والمساهمة في بناء مستقبل مشرق للأمة.

في حديثه خلال استقباله لرؤساء الوفود المشاركة في المهرجان الثقافي والفني الثاني لجامعات الخليج العربي، أكد الشيخ زايد على أهمية اللقاءات الثقافية والفنية الاستراتيجية في تعزيز الوحدة والتكاتف بين الشعوب. موضحاً: «إن اللقاءات بين الإخوة تقربهم بعضهم من بعض وتزيد من معرفتهم وثقافتهم». هذا يعكس إيمانه بأن الفنون ليست مجرد وسيلة للتسلية، بل هي أداة استراتيجية قوية لتعزيز التفاهم والتعاون بين الدول والشعوب. وتابع: «إن هذا اللقاء يعتبر ثمرة للتنسيق والتعاون القائمين بين دول الخليج العربية، ونحن نقتطف ثمار هذا التعاون الطيب». هنا، يبرز الدور الذي يمكن أن تلعبه الفنون في تحقيق التكامل الاستراتيجي بين الدول، مما يعزز من قوتها وقدرتها على مواجهة التحديات المشتركة.

وأكد الشيخ زايد على أن مثل هذه المبادرات يمكن أن تكون قدوة لبقية الدول العربية، حيث دعا: «نسأل الله العلي القدير أن يكون مثلاً يحتذيه أشقاؤنا في الوطن العربي؛ ليسارعوا إلى العمل والتآزر فيما بينهم». من خلال هذه الكلمات، يعبر عن رؤيته الاستراتيجية للفنون كلغة لجسر يربط بين الثقافات المختلفة، ويساهم في بناء مجتمع متكامل ومتعاون.

لم يكن اهتمام الشيخ زايد بالفنون، وخاصة المسرح، يعكس فقط رؤيته العميقة لدور الثقافة في بناء الأمم، بل كان جزءاً من استراتيجية شاملة لتعزيز الوحدة والتكاتف والتنمية المستدامة. إن إرثه في دعم الفنون يستمر في إلهام الأجيال الجديدة للعمل من أجل رفعة وطنهم وتحقيق السعادة والازدهار للجميع.