لا يحتاج المتأمل في مسيرة الاقتصاد الوطني، جهداً كبيراً، ليدرك حجم الفارق بين مشهد الاستثمارات الأجنبية المباشرة قبل الإعلان عن رؤية 2030 في صيف العام 2016، وبعد الإعلان عنها، هذا الفارق يعكس نوعية الطموحات لدى الحكومة الرشيدة، ببناء اقتصاد وطني قوي، يتسلح بتنوع مصادر الدخل، وتقليص تدريجي للاعتماد على دخل النفط، وهو أحد الأهداف الرئيسة للرؤية الطموحة.

ولأن رؤية 2030 تسير وفق خطط وبرامج علمية، فكان لها هدفها المحدد، بالوصول بمساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر إلى5.7 % من الناتج المحلي الإجمالي، معتمدة على ما لدى المملكة من قدراتٍ وإمكانات ومزايا نسبية، اقتصادية واستثمارية ضخمة، تؤهلها أن تكون محركًا اقتصاديًّا في المنطقة والعالم، وهو ما تحقق جزء كبير منه حتى الآن.

وإذا كان استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة يسير بشكل تصاعدي عاماً بعد آخر، إلا أن هذه الاستثمارات شهدت قفزات هائلة بعد جائحة كورونا، التي أربكت اقتصادات العالم، وأصابتها في مقتل على مدى أكثر من عامين، قبل أن يستعيد الاقتصاد السعودي عافيته، وينجح في جذب استثمارات مباشرة بقيمة تجاوزت 63.5 مليار دولار في سنوات ما بعد الجائحة، وتحديداً من العام 2021 إلى العام 2023، في إشارة إلى أن الرؤية لم تؤجل برامجها أثناء الجائحة، وواصلت العمل والاستعداد الجيد لما بعد الأزمة.

يمكن التأكيد على أن رؤية 2030 ارتكزت على هدف دعم الاقتصاد المحلي، عبر إيجاد فرص استثمارية جديدة تساعد في جذب رؤوس الأموال، وتحفيزها على الدخول في القطاعات المختلفة، والنهوض بها، وتحقيق عوائد مستدامة، كما أوجدت مناخاً ملائماً لنجاح الاستثمارات الأجنبية والمحلية في الأسواق الوطنية، لتكون قادرة على توظيف الأموال داخل البلاد، بدلًا من استخدامها في فرص خارج الوطن، وكان هذا كفيلاً بتعزيز النمو الاقتصادي، وتنويع مصادر الدخل، وإحداث نمو في جميع القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك الصناعة والسياحة والتكنولوجيا.

ولم يكن للمملكة أن تحقق هذه الإنجازات، لولا أن هناك توجيهاتٍ مباشرةً من ولاة الأمر، بالعمل على تحديث البنية التشريعية والتنظيمية لقطاع الاستثمارات الأجنبية، والارتقاء بمستوى الشفافية، وتطبيق الحوكمة بشكل كامل؛ وتسهيل الإجراءات أمام المستثمر، وكان لهذه التوجيهات تأثير إيجابي على المشهد الاقتصادي، إذ أسهم في تطوير ونمو السوق، وجذب مزيد من الاستثمارات المالية من داخل البلاد وخارجها؛ وعزز ذلك، وجود رغبة قوية لدى المستثمر الأجنبي للاستفادة من فرص النمو المتاحة داخل السوق السعودي.