اتخذ مجلس الأمن الدولي نهاية الشهر الماضي وبالإجماع، قراراً ينهي بموجبه مهام البعثة الأممية في العراق «يونامي» بحلول 31 ديسمبر 2025 بناءً على طلب رسمي من حكومة العراق التي وجدت أن مبررات وجود هذه البعثة قد انتفت بتعافي العراق في ضوء ما يشهد من استقرار سياسي وأمني.
«يونامي» بعثة سياسية أممية تم إنشاؤها بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1500 في أغسطس 2003 لمساعدة العراق على مواجهة متطلبات إعادة بناء الدولة بعد الغزو الأمريكي في أبريل 2003، وقد توسع دورها بشكل كبير بموجب القرار 1770 في العام 2007.
ينص تفويض بعثة يونامي بمنح الأولوية لتقديم الدعم والمشورة والمساعدة إلى حكومة وشعب العراق بشأن تعزيز الحوار السياسي الشامل بين مكوناته لضمان المصالحة الوطنية والمجتمعية، وتقديم المساعدات التي تضمن نجاح العملية الانتخابية، وتشجيع الحوار الإقليمي بين العراق وجيرانه، وتعزيز حقوق الإنسان والإصلاح القضائي والقانوني.
ولمنظمة الأمم المتحدة بعثات عدة على غرار «يونامي» في عدد من دول العالم، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط التي تزخر بعض دولها بأوضاع استثنائية غير مستقرة تتطلب حضوراً أممياً.
إن دور هذه البعثة الأممية يتعدى ما ذكر أعلاه، إذ لا يمكن تجاوز الدور الرقابي الذي تمارسه هذه البعثة على مجمل الوضع السياسي والعلاقات المجتمعية والأداء الحكومي من خلال مكاتبها في عموم العراق، والتي يبلغ عدد العاملين فيها 648 شخصاً بينهم 251 موظفاً دولياً و397 موظفاً محلياً. فالبعثة تعمل على متابعة ما ينجز من مهام وما لا ينجز منها وإشعار مجلس الأمن الدولي بذلك في إحاطاتها الدورية، والتي تثير استياء وغضب بعض الأطراف السياسية التي لا ترغب بوجودها.
وقد واجهت هذه البعثة انتقادات واسعة من قبل أطراف سياسية متهمة إياها بالانحياز وعدم تأدية مهامها بمهنية، مما حدا بالبعض إلى اعتبارها غير ذات فائدة خلال العشرين سنة الماضية التي قضتها في العراق دون أن يشهد البلد تحسناً جدياً في الأمن، مع بقاء الميليشيات المسلحة واستمرار العزوف عن المشاركة في الانتخابات التي لم تتجاوز نسبة المشاركة في آخرها عام 2021 حاجز الـ 20 %.
إن من مجافاة الموضوعية تحميل هذه البعثة فوق طاقتها وقدراتها وتوجيه الاتهامات إليها فهي لا تمتلك صلاحيات تنفيذية، فنجاحها بالدور المناط بها مرهون إلى درجة كبيرة بواقع حال البلد الذي تعمل فيه، حيث يعتمد إلى حد كبير على مدى تعاون الأطراف المحلية ذات العلاقة وقناعتها بدورها وبحجم التجاوب مع ما تراه وما توصي به.
والحقيقة أن ما ورد في قرار الحكومة العراقية كمبرر لإنهاء عمل هذه البعثة موضع إشكال كبير ولا يحظى بإجماع القوى السياسية أو بمباركة غالبيتها، فالعراق لم يتعافى، كما ذهبت إلى ذلك حكومة السوداني، فالاستقرار الذي يشهده لا يخلو من الألغام والأمن الظاهري المستتب في أرجائه في منتهى الهشاشة طالما بقيت أسبابه قائمة.
فعلى المحور السياسي لا تزال بنود الاتفاق بين الأطراف السياسية الذي أدى إلى تشكيل حكومة السوداني غير منفذة وفي مقدمتها إجراء انتخابات مبكرة، كما أن الانقسامات في صفوف مكوناته الثلاثة الرئيسية تزداد سعة وعمقاً، أما على المحور الأمني فليس هناك ما يدعو إلى الاطمئنان طالما بقيت الفصائل المسلحة تعمد إلى تذكير الشعب بوجودها في استعراضات تحدٍ مقلقة بين الحين والحين.
وفي ضوء ذلك برزت العديد من التساؤلات حول مدى صواب قرار الحكومة العراقية في ظل أوضاع سياسية محلية وإقليمية متفجرة، فانسحاب البعثة الدولية وزوال الغطاء الأممي للرقابة والتوجيه له تداعيات خطيرة، فالعراق لا يزال يعاني من استشراء الفساد بشتى صنوفه وأشكاله، ولا تزال الحيتان الكبيرة بمنجاة عن مسائلة العدالة.
كما أن القضايا العالقة بين بغداد وأربيل لا تزال قائمة، لاسيما في المناطق المتنازع عليها، وهناك العديد من الملفات العالقة مع دول الجوار تتطلب دوراً أممياً.
وقد أعربت بعض القوى السياسية، عن دعمها غير المحدود لقرار إنهاء مهمة البعثة الأممية، واعتبرته خطوة مهمة نحو استكمال السيادة الوطنية، في الوقت الذي دعت فيه قوى أخرى إلى التريث في اتخاذ خطوة كهذه، في حين أعربت معظم القوى الكردية وبضمنها الحزبين الرئيسيين عن قناعاتها بضرورة بقاء هذه البعثة، وذلك لدورها الإيجابي الرائد في دعم عملية البناء في المرحلة السابقة.
التعليقات