ثمة مخاوف حقيقية من توسع دائرة النار في المنطقة، فشرارة الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قد تطورت إلى جبهات مشتعلة عدّة، ولا يزال خطر توسعها قائماً إلى مدى بعيد، وأشدّ ضراوة، خصوصاً بين لبنان وإسرائيل؛ إذ وصلت إلى مرحلة تُنذر بنشوب حرب شاملة، ولا يبدو أن ثمة أفقاً لإخماد حدة الاشتباك، مع إصرار إسرائيل على استمرار حربها في قطاع غزة، في محاولة منها لتنفيذ أهدافها التي لم يتحقق منها شيء إلى الآن سوى تدمير البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وقتل عشرات الآلاف منهم.
لم تمر إسرائيل منذ إنشائها بوضع مماثل؛ إذ إن هذه الحرب طالت كثيراً، وفقدت فيها قدرتها على الردع والحسم، اللذين لطالما تباهت بهما، إضافة إلى تشظٍ داخلي، وانقسام خطر وواسع، على المستويين، السياسي والشعبي. فالحكومة التي يقودها نتنياهو تواجه سياساتها رفضاً عارماً، وشرساً، من المعارضة، ووزراء في الحكومة، أفضى إلى حل مجلس الحرب، كما أن هناك قطاعاً كبيراً من الإسرائيليين، خصوصاً سكان الشمال والجنوب، وذوي الأسرى، يضغطون لإبرام صفقة تنهي الوضع الذي هم فيه؛ حيث إن عودة ذويهم وحياتهم الطبيعية لا أفق لها، ولا تسعى الحكومة إلى حلها؛ بل إنها تفتح الجبهات، وتوسع من حالة الاحتراب.
وبالعودة إلى الجبهة الشمالية، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجنوبية، يبدو أن إسرائيل واقعة بين خيارين أحلاهما مُر، فهي إن صمتت وابتلعت الإهانات التي تتلقاها، فإنها ستفقد موثوقيتها لدى الغرب، ما سيشجع الكثيرين على توجيه الصفعات لها في قادم الأيام، وستتغير قواعد الاشتباك لمصلحة أعدائها، وإن خاضت الحرب، فإنها ستتلقى خسائر كبيرة، في ظل استنزاف جيشها في غزة، فقد قال رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، تعليقاً على قرار تجنيد «الحريديم»، إن الجيش الإسرائيلي «يحتاج إلى قوة بشرية بعدما فقد لواء كاملاً من الجنود سقطوا بمعارك غزة، أو أصيبوا بجروح خطرة»، فضلاً عن آلاف آخرين خرجوا من الخدمة لأسباب نفسية، أو لإصاباتهم الطفيفة والمتوسطة، في ظل اقتصاد يتجه من سيئ إلى أسوأ، بينما مكانتها العالمية تضمحل، حتى عند الولايات المتحدة التي أصبحت تقيّد إرسال شحنات السلاح.
أي حرب كبيرة لن تكون نزهة لإسرائيل، والولايات المتحدة تدرك هذا؛ لذا فإنها تدفع بثقلها لمنع نتنياهو من الانجرار وراء تهوره، فضلاً عن أنها لا تنوي العودة للمنطقة بحروب جديدة، والانشغال عن الصعود الروسي والصيني، خصوصاً أن الحل سهل، وهو وقف حرب غزة، وبالتالي توقف التصعيد في كل الجبهات؛ لذا فإن انجراف تل أبيب للتصعيد ستكون عواقبه وخيمة، وستكون قد دخلت في وحل جديد كانت هي في غنى عنه.
التعليقات