سنكرر العبارة القائلة «صدّق أو لا تصدّق» ونحن نقرأ خبر «انتحار» روبوت في كوريا الجنوبية. لا مزاح هنا. الخبر الرسمي المذاع يتحدث عن حالة انتحار بالفعل. مَن منا كان يتوقع أن نبلغ يوماً نقرأ فيه خبراً كهذا. اعتدنا قراءة ومشاهدة ما يتصل بالروبوتات وكفاءتها في إنجاز مهام مُعقدة كان الإنسان وحده من ينجزها. وشاعت، ولا تزال، مخاوف من أن تؤدي هذه الروبوتات إلى الاستغناء عن عقل الإنسان وربما يديه أيضاً، طالما أصبحت هذه الروبوتات قادرة على أن تحلّ مكانه، فلماذا لا يرتاح الإنسان وينصرف إلى أمور أخرى مُسليّة يقضي بها أوقات فراغه، التي ستكون فائضة؟

الحديث دار، ويدور، أيضاً عن أن هذه الروبوتات التي ابتكرها عقل الإنسان وصنعها بيديه يمكن أن تتغلب عليه وتشكل خطراً عليه أيضاً. كل هذا قرأنا عنه وسمعنا لكن لم يخطر في البال أن نقرأ خبراً في منتهى الجدية والصرامة عن «انتحار» الروبوت.

جرى الاهتمام بتفاصيل الواقعة حين نقل عن شهود عيان أن الروبوت، قبيل «انتحاره»، شوهد وهو يدور حول نفسه كما لو أن خطباً ما قد أصابه، ونكاد نقرأ ما يشبه النعي لهذا الروبوت لا يختلف، في جوهره، عن النعي الذي يقال بعد وفاة الإنسان. مسؤول في البلدية الواقعة في وسط كوريا الجنوبية التي كان الروبوت «يعمل» فيها قال متأسياً عليه: «لقد كان رسمياً جزءاً من مجلس المدينة وكان واحداً منا»، موضحاً أنه، أي الروبوت، كان يعمل من الساعة 9 صباحاً حتى 6 مساء، وكانت لديه بطاقة خدمة عامة خاصة به.

في كوريا الجنوبية «لا يمزحون بشأن حياة الروبوتات، ويأخذون الأمر على محمل الجد». هكذا قال المسؤول البلدي. وليست البلدية المعنيّة وحدها من نعى الروبوت وتأسى على «رحيله» منتحراً. الصحف المحلية بدورها تناولت الموضوع أيضاً، وتساءلت إحداها على الصفحة الأولى «لماذا تصرف هذا الموظف الحكومي المجتهد بهذه الطريقة؟»، أو ما إذا كان «العمل شاقاً للغاية بالنسبة للروبوت». لم يكن هذا مجرد «كلام على ورق» كما يُقال، فالبلدية أعلنت فتحها تحقيقاً إثر إلقاء الروبوت بنفسه من أعلى الدرج، لدرجة تجعلنا نغبط الروبوت «المرحوم» على كل هذا الاهتمام الذي ناله، والذي يتمنى ملايين البشر لو نالوا القليل منه في حال أصابهم مكروه.

صحيح أن الروبوت الذي «أنهى» حياته كان يساعد منذ عام تقريباً سكان مدينة غومي على القيام بمهام إدارية، كما قال إعلان «نعيه»، لكن ما أكثر البشر الذين خدموا ناسهم وأوطانهم بإخلاص وتفانٍ عقوداً متتالية، وليس أقلّ من سنة فقط، ولم يجد خبر رحيلهم سطراً واحداً في الصحف أو وكالات الأنباء.